العدد 1608 /3-4-2024
أيمن حجازي

تبدو الساحة السياسية المحلية مضمحلة ومتلاشية أمام حجم التطورات الخارجية التي تزدحم في المنطقة، انطلاقا من المواجهة الكبرى القائمة في فلسطين المحتلة وفي قطاع غزة على وجه التحديد. فالحرب هناك تكاد تتم شهرها السادس دون تبيان أفق محدد لنهايتها أو لتوقفها على أقل تقدير. وهي تستمر على الرغم من تفاوت الحشود الدولية المشاركة في هذه الحرب العالمية المصغرة، فالجانب الصهيوني تقف خلفه الولايات المتحدة الأميريكية وبريطانيا ومعظم الدول الغربية. في الوقت الذي يخوض الجانب الفلسطيني معركته وخلفه شعوب مضطهدة وكيانات ثورية مضروب عليها الطوق والحصار كالجمهورية الإسلامية في إيران واليمن والمقاومة الإسلامية في لبنان أما روسيا والصين فإنها تكتفي بتأييد ديبلوماسي سياسي محدود الآفاق في مقابل دعم شامل وكامل للكيان الصهيوني من قبل حلفائه الغربيين.

ونظرا للاهتمام البالغ للدول الغربية بسلامة الوضع الإسرائيلي، تمت الإطاحة بالجهود الإقليمية والدولية التي كانت تبذل للخروج من نفق الشغور الرئاسي السائد في لبنان. وباتت اللجنة الخماسية العربية- الدولية في مهب الريح لانشغال القوى العالمية الجائرة بتضميد الجراح الصهيونية التي ترتبت على عملية طوفان الأقصى التاريخية وتأمين مستلزمات الحفاظ على الهيبة الصهيونية المفقودة في المنطقة. وغني عن القول إن المعالجة السياسية الدولية لمعضلة الشغور الرئاسي اللبناني كانت قبل السابع من أكتوبر تحرص على تأمين المصالح الصهيونية في لبنان من خلال العمل على الإتيان برئيس للجمهورية يحمل برامج عرقلة لعمل المقاومة اللبنانية المواجهة للكيان الغاصب.

إن هذا الانشغال الدولي بالملحمة المتوقدة في غزة هاشم، انعكس تجميد للجهود المحلية لحصول الانتخابات الرئاسية. فالبعض منشغل ومنهمك بكيفية إخراج لبنان من دوره الريادي الأخلاقي والإنساني الداعم للمقاومة الفلسطينية في معركة طوفان الأقصى. وذلك من خلال الدعوة والترويج للفكرة البالية الرثة المتمثلة بحياد لبنان في الصراع القائم. وقد وصل الأمر بالبعض إلى العبث السياسي من عبر تدبيج مقولات تقسيمية متسترة بالفيدرالية وباللامركزية الموسعة التي تهدد وحدة الوطن وتحاول أن تثبت للرأي العام الدولي أن لبنان منقسم على نفسه في موضوع الصراع العربي- الإسرائيلي. وقد وصل الأمر بالبطريرك الماروني بشارة الراعي من أن يستخدم منبر عيد الفصح ليشن هجوم واضح على رئيس المجلس النيابي نبيه بري المتهم من قبل قوى سياسية مسيحية (منسجمة مع مواقف الراعي) بتعطيل الانتخابات الرئاسية وإفراغ السلطة السياسية اللبنانية الرسمية من الشريك المسيحي. وتتضاعف خطورة هذا المنحى السياسي عندما يسعى إلى ارتداء ثوب طائفي مسيحي، وعندما يتذرع بالمواقف العربية الانهزامية التي تلتزم أبشع أنواع الحياد العربي الرسمي المرذول في معركة غزة. فيصبح في هذا الخضم الموقف الانهزامي هو الموقف العروبي الأصيل، ويصير موقف القوى اللبنانية المقاومة المتلاحمة مع مجاهدي غزة موقفا إيرانيا أو ماليزيا أو اندونوسيا أو أفغانيا أو...

لا يبدو أن هذا الاضمحلال الذي تعيشه الساحة السياسية المحلية بريئا أو حياديا، بل إنه يكاد في بعض الأحيان أن يكون مرشحا وبقوة لخدمة أجندات خارجية معادية للبنان وللعرب ولفلسطين...

أيمن حجازي