العدد 1606 /20-3-2024
أيمن حجازي

شهدت الساحة اللبنانية في الأسبوع المنصرم كراكين سياسيين داخلي وخارجي، وكان أوليهما النشاط الذي قام به ممثلو اللجنة الخماسية واتسم بالخجل والمراوحة من خلال التجوال على الأطراف المحلية اللبنانية المعنية بأزمة الشغور الرئاسي. وهي أزمة تشكل الموضوع الرئيس الذي تحمله هذه اللجنة على عاتقها. أما الحراك الثاني فقد كان مسيحيا- مسيحيا بامتياز حيث المباراة محتدمة بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية ليثبت كل واحد منهما أنه الأحرص على مصالح المسيحيين "المستباحة" وفق تقويمهما المتفاوت والمتناقض في كثير من تفاصيله. ويمكننا القول إن كلا الحراكين لا يعول عليه في إحداث خرق ما في جدار أزمة الشغور الرئاسي المشار إليها.

والسبب البارز في عقم هذين الحراكين وغيرهما من الكراكات المستهلكة أن المنطقة والعالم بأسره مشدودون إلى الحدث الإجرامي الكبير الحاصل في غزة. وهو حدث يمتلك وجها آخر إلى جانب وجهه الإجرامي، حيث تتصاعد العثرات والنكبات الإستراتيجية التي تصيب الكيان الصهيوني من جراء النجاحات العسكرية والأمنية التي ينجزها مقاومو غزة والمنطقة خصوصا في لبنان واليمن ما يولد آلاما متعددة للكيان الغاصب ويربك السياسات الأميريكية المعتمدة في المنطقة. فاللجنة الخماسية من خلال ممثليها المعتمدين في بيروت "يحجون" دوما إلى عين التينة حيث المركز اللبناني الرسمي الأول القائم في الوطن اللبناني الحبيب بغية التباحث مع الرئيس نبيه بري والتقاط الصور معه والتمتع بالاستماع إلى بعض نكاته التي لا تنضب. ثم يتجهون مباشرة إلى بكركي حيث البطريرك بشارة الراعي يملأ الفراغ السياسي المسيحي الناتج عن احتدام الصراع بين القوى المسيحية والناتج أيضا عن خلو قصر بعبدا من ساكن يتولى مهام الرئاسة الأولى في وطن الأرز والسنديان والشربين. وهذه المرة قرر الجمع الديبلوماسي الخماسي المميز القيام بجولة على القوى السياسية اللبنانية لا شك أنها تذكر من عاصر نهايات الحرب اللبنانية بجولات موفدي اللجنة الثلاثية العربية التي شكلتها القمة العربية في عام ١٩٨٩ وفي مقدمة هؤلاء الموفدين الديبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي الذي صال وجال قبيل صياغة اتفاق الطائف وبعده. إنه حراك يهدف إلى ملأ الفراغ الزمني الذي تعيشه الأزمة اللبنانية وذلك عشية الذكرى السنوية التاسعة والأربعين لاشتعال الحرب اللبنانية التي انطلقت في نيسان من عام ١٩٧٥ والتي تكاد تبلغ يوبيلها الذهبي في العام المقبل (أطال الله في أعماركم).

أما في الحراك المحلي، فإن الصبيانية السياسية ما تزال مسيطرة على الموقف، وهي تمنح الأطراف المتنافسين شغف التصارع حيث تتواضع الطموحات في كثير من الأحوال أو يتم تأجيلها. فما كان يسمى طموحا عاما لدى القادة المسيحيين للوصول إلى سدة الرئاسة الأولى تحول إلى "عمليات قطع طرق" فبات كل طامح للوصول، معنيا بإدارة الأزمة بالشكل الذي يقطع الطريق على خصمه حتى لو أدى ذلك إلى التضحية بطموحاته الآنية. فالمستقبل كفيل بتحقيق الأمنيات العوالي ومن لم يصل إلى قصر بعبدا في هذا العام فلا بأس من أن يصل بعد ست سنوات. وهذا هو النموذج العوني ماثل أمامنا، فما بعد الصبر إلا الفرج حيث انتظر العماد ميشال عون حوالي ربع قرن من الزمن حتى تمكن من الولوج إلى قصر بعبدا. ولكن الملاحظ أن التنافس هذه المرة بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية يتخذ شكل تقديم الأدلة الساطعة على أن هذا الطرف السياسي المسيحي أشد حرصا على وحدة الساحة المسيحية وعلى الاستظلال بمظلة بكركي من غيره من الأطراف المسيحية الأخرى. وهذا ما دفع بجبران باسيل إلى الطلب من الكردينال بشارة الراعي بجمع القادة المسيحيين لتوحيد الصف والموقف والتصدي لمحاولات الفريق الطائفي الآخر "المستأثر بالسلطة" من اجتياح ومصادرة "الحقوق المسيحية المهدورة".

لا تخل الساحة اللبنانية بتفاصيل مقولات قادتها من الفكاهة وحتى الكوميديا في بعض الأحيان. حتى مع صمت وليد جنبلاط المميز على هذا الصعيد ولكن أجملها كان في الأسبوع الأخير اشتراط رئيس حزب القوات سمير جعجع بأن يقر جبران باسيل بضرورة تسليم حزب الله لسلاحه إلى الدولة اللبنانية.

أيمن حجازي