العدد 1598 /24-1-2024
أيمن حجازي

في موازاة الحرب الكبرى التي تجرى فصولها على أرض غزة ، ينشغل بعض اللبنانيين بما يمكن أن يطلق عليه " خربشات على هامش الشغور الرئاسي " حيث يسعى بعض قوى الخارج المزج بين فرض التهدئة على الجبهة اللبنانية - الصهيونية وبين الخروج من الفراغ الرئاسي الذي دخل عامه الثاني بقوة واندفاع . وبات الحديث عن إعادة إحياء عمل اللجنة الخماسية الدولية على كل لسان وشفة دون أن يتورط أحد بإطلاق وعود أو توقعات او تنبؤات إيجابية على هذا الصعيد . ويبدو ان بعض المستجدات التفصيلية بدأت تطفو على السطح ، وهي تطال أساليب عمل الدول المعنية بتلك الخماسية أو الوجوه التي تتحرك من خلالها .

فالأمريكيون يرغبون في دفع موفدهم الرئاسي آموس هوكشتاين لتمثيلهم في اللجنة الخماسية الطيبة الذكر ، عله يفلح في تقديم دفع إيجابي في عملية البحث عن الرئيس اللبناني المفقود كما أفلح في عملية الترسيم الحدودي البحري بين لبنان والكيان الصهيوني . والفرنسيون من جهتهم يتورعون عن إرسال موفدهم الرئاسي جان إيف لودريان بعد جولاته اللبنانية الفارغة التي فشلت في تحقيق أي إختراق جدي في المعضلة الرئاسية اللبنانية . وهم يستبدلون جولاته اللبنانية بإتصالات قد يجريها مع بعض الجهات العربية النافذة في الخماسية أو خارجها . اما السعوديون فإنهم أقدموا على فتح قناة مباشرة مع الجمهورية الإسلامية في إيران عبر تفويض سفيرهم وليد البخاري بشرب القهوة العربية مع السفير الإيراني في بيروت في ظلال خيمة اليرزة التي بات عنوانها الأساس " محبة اللبنانيين تجمعنا " . وقد أختار السعوديون الإتصال العلني مع إيران بهدف إعطاء زخم ما للجنة الخماسية ولدور المملكة العربية السعودية فيها وهي رسالة ذات أبعاد إقليمية ودولية وفي لحظة حرب عالمية تجري على أرض غزة الصغيرة جغرافيا والكبيرة استراتيجيا . أما القطريون المنشغلون بالوساطة المستمرة بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني حول تبادل الأسرى ونسج خيوط الهدن المقترحة على أرض غزة ، فإنهم لا يقبلون الغياب عن عمل اللجنة الخماسية وهم من أركانها المؤسسين . وتبقى مصر عضوا خامسا في لجنة عربية عالمية منتدبة لرعاية الوضع اللبناني المرتفسخ والتي لا ينبغي لمصر أن تغيب عنها أبدا ، وهي إن تبدو قلقة من إحتمالات تهجير أهل غزة الى بعض المناطق المصرية " الفارغة " كما يدعى الصهاينة فإن وزن مصر العربي لا يسمح لها أن تغيب عن الشأن اللبناني المعقد .

في هذا الوقت تتناثر على الساحة المحلية بعض المعطيات المتدرجة والتي تستكمل تطورات سابقة ووفق المشاهدات التالية :

- لم يعد مفاجئا أن يصل الزعيم وليد جنبلاط الى حافة القول أن " لا مانع لديه في أن ينتخب سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية " . وفي هذا الموقف إستدارة جنبلاطية هادئة وهنيئة وذي طابع عائلي حميم يمتد من زيارة تيمور جنبلاط الى بنشعي ومن ثم الى جلوس سليمان فرنجية على مائدة وليد جنبلاط في كليمنصو . وهذا ما يشكل تقاطعا إضافيا هاما بين جنبلاط وحزب الله . بالإضافة الى كونه تقاطعا هامشيا مع المير طلال ارسلان ...

- لم يعد مفاجئا أيضا ، أن يجزم جبران باسيل من جديد أنه لن ينتخب لا جوزيف عون ولا سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية . فجبران لا ينتخب إلا جبران . ولكن المعنى الإضافي لهذا الكلام في هذه اللحظة السياسية أن جبران يرشح نفسه للبقاء خارج أي تسوية رئاسية مفترضة قد تكون بعيدة أو قريبة . وهو سيلعب نفس الدور الذي لعبه الرئيس نبيه بري عندما امتنع عن إنتخاب ميشال عون لرئاسة الجمهورية في خريف عام ٢٠١٦ .

- لم يعد مفاجئا أن يدخل حزب الله وبكركي في جولة جديدة من الحوار ، لن تكون قادرة على حسم الموضوع الرئاسي ولكن قيامها ضروري لتبديد الأجواء المحتدمة التي انخرط فيها بعض أطراف الساحة اللبنانية إحتجاجا على تحريك حزب الله للجبهة الجنوبية اللبنانية إنتصارا لغزة الجريحة . وبناء على كل ما تقدم يرتسم السؤال السياسي الكبير من جديد : هل نحن أمامم حراك جدي وفاعل للجنة الخماسية الدولية التي تفرض إنتدابا جديدا على الساحة اللبنانية أم ان الأمر لا يعدو كونه " خربشات " على جدار الشغور الرئاسي المتماسك ؟

أيمن حجازي