ايمن حجازي

 لبنان عالق اليوم بين الكوستابرافا وقانون اﻻنتخاب المفقود الذي يبحث عنه كل فريق سياسي وطائفي وفق مصالحه الذاتية. ويحاول البعض الربط بين تجدد أزمة النفايات والبحث عن قانون انتخابي يليق بالمجتمع اللبناني، حيث يرى البعض في العودة الى أزمة النفايات غاية من غايات التغطية على قانون اﻻنتخاب المتنازع عليه. وتشهد الساحة السياسية استنفاراً على هذا الصعيد ﻻ يخلو من المناورة المتفاوتة في حدتها بين الفرقاء، حيث يظهر النائب وليد جنبلاط مهدداً في وجوده السياسي والطائفي.
ويبدو جنبلاط وحيداً في ساحة تبرأ معظمها من «قانون الستين» الذي يفضله رئيس الحزب التقدمي اﻻشتراكي على باقي القوانين اﻻنتخابية اﻷخرى.
ويعود هذا التفضيل الجنبلاطي لقانون الستين الى اعتماد القضاء دائرة انتخابية, ما يؤمن للزعامة الدرزي 13 مقعداً نيابياً في قضاء الشوف وعاليه تتحكم في اختيارهم اﻷكثرية الدرزية الناخبة في هاتين الدائرتين بالتعاون مع الكتلة السنّية الناخبة في إقليم الخروب، وتتميز هذه الكتلة النيابية المفترضة بتنوع طائفي ومذهبي مميز، حيث المقاعد الدرزية أربعة والمقاعد المسيحية سبعة الى جانب مقعدين سنيين في الشوف الجنوبي حيث إقليم الخروب. أما في حال تكبير الدائرة اﻻنتخابية، أكانت محافظة أم من خلال اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة وفق بعض القوانين المقترحة، فإن ذلك سيؤدي إلى ذوبان الكتلة الدرزية الناخبة واضمحلال تأثيرها، وبالتالي جعلها تبعاً ﻷصحاب الكتل اﻻنتخابية الكبرى، وتحديداً الكتلة المسيحية الناخبة، ﻷن جبل لبنان، وهو المعقل الدرزي اﻷهم، يضم أكثرية مسيحية ناخبة بشكل واضح. وهذا ما يفسر أسباب الدعوة التي أطلقها جنبلاط مؤخراً إلى إقامة محافظة جديدة في جبل لبنان، والمقصود هنا أن تتشكل محافظة من قضاءَي الشوف وعاليه بأكثرية درزية، وهذا ما يفسح في المجال ﻻعتماد قانون انتخابي تحتفظ فيه الطائفة الدرزية بكيان انتخابي مريح. وتزيد النسبية في حال اعتمادها من مشكلة التمثيل الدرزي، ﻷن هذه النسبية اذا اعتمدت على مستوى القضاء في عاليه والشوف فإنها ستؤدي إلى حسم عدد من المقاعد النيابية التابعة للنائب جنبلاط وتخلخل نفوذه اﻻنتخابي، وهي في أحسن اﻷحوال ولو اعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة فإنها لن تجني أكثر من ثمانية مقاعد، وهو عدد النواب الدروز كلهم في البرلمان اللبناني. 
حتى القانون المختلط الذي يجمع ما بين النسبي واﻷكثري والذي كان الحزب التقدمي اﻻشتراكي قد تشارك مع تيار المستقبل والقوات اللبنانية في تقديم مشروع قانون انتخابي على أساسه, لم يعد النائب جنبلاط موافقاً عليه، وقد بات متمسكاً بقانون الستين بشكل كلي.
وفي المقابل، يرى اﻷفرقاء المتحمسون لإطاحة قانون الستين أن تكبير الدائرة الانتخابية واعتماد النسبية سيعدل ميزان القوى السياسية ويؤدي الى قيام أكثرية نيابية جديدة ملائمة لخياراتهم السياسية، وكفيلة بإطاحة اﻷكثرية النيابية السابقة. وهذا ما يعيدنا بالذاكرة إلى العاصمة القطرية الدوحة في أيار 2008، حين أصرت القوى الحليفة للتيار الوطني الحرّ على اعتماد قانون الستين في انتخابات 2009، سعياً إلى الحصول على اﻷكثرية في المجلس النيابي اللاحق... وكانت النتيجة أن التيار الوطني الحرّ قد وسع من مساحة تمثيله النيابي, ولكن اﻷكثرية النيابية بقيت آنذاك مع الفريق اﻵخر. 
ان لعبة البحث عن قانون انتخابي ملائم في لبنان هي نفسها لعبة البحث عن اﻷكثرية النيابية الضائعة. وهي نفسها لعبة الحفاظ على اﻷحجام والرغبة الدائمة في توسيعها والاستيلاء على بعضها ومصادرة بعضها اﻵخر.