العدد 1337 / 14-11-2018
وائل نجم

نهاية الشهر الماضي كادت مساعي تشكيل الحكومة تصل إلى خواتيمها السعيدة بعدما ظنّ الجميع أن عقد تشكيل الحكومة حُلّت بشكل نهائي وكامل مع قبول "القوات اللبنانية" بالحصة الوزارية التي عُرضت عليها، وهي نائب رئيس حكومة وثلاث وزارات، خاصة وأن الظنّ كان عند أغلب الأطراف أن ما يؤخّر تشكيل الحكومة وإعلانها مرتبط بموقف "القوات" وصراعها أو تنافسها مع التيار الوطني الحر على المقاعد الوزارية المسيحية، إلا أن المفاجأة كانت بعودة الأمور إلى المربع الأول مع العقدة المستجدة والتي لم تكن بالحسبان، ألا وهي عقدة تمثيل النواب السنّة الستة، والذين انضووا في إطار ما عُرف باللقاء التشاوري، والذي تلقّى دعماً مفتوحاً من "حزب الله"، حيث امتنع الحزب عن تسليم أسماء وزرائه المقترحين لحكومة الوحدة الوطنية إلى الرئيس المكلف، إلا بعد تمثيل حلفاء الحزب في اللقاء التشاوري في الحكومة المنتظرة، وهكذا برزت هذه العقدة الجديدة، وظهرت كعقدة كأداء في طريق تشكيل وإعلان الحكومة، بل أكبر وأخطر من باقي العقد، وقد ذهب الحزب إلى حدود الانتظار إلى سنوات دون حكومة تدير شؤون البلد إذا لم يُمثّل هؤلاء النواب السنّة الستة فيها.

لقد تبخّرت مع موقف الحزب كل الأماني التي علّقها رئيس الجمهورية ميشال عون ، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ، ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ، على ولادة الحكومة وانطلاق مسيرة النهوض في ظل الواقع الاقتصادي الهشّ والمتفاقم والمتردّي، وكاد الجميع يُصاب بالإحباط واليأس من كل ما جرى ويجري، وقد جاءت كلمة الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله، يوم السبت الماضي لتؤكد موقف الحزب المتمسك بتوزير حلفائه من النواب الستة، بل وقد ذهب نصر الله أبعد من ذلك عندما قطع لهم وعداً وعهداً أن لا يسلّم أسماء وزراء الحزب إلى الرئيس المكلف إذا لم يتمثّلوا بالحكومة، أو أن يقبلوا بأية صيغة تطرح عليهم، مبدياً الاستعداد للانتظار سنة وسنوات دون حكومة إذا لم يصار إلى تلبية هذا المطلب. لقد برز جانب التحدّي في مواقف السيّد نصر الله أكثر مما برز أي جانب آخر معهود فيه، وهو ما استدعى موقفاً مقابلاً من الرئيس المكلف، سعد الحريري، أكد فيه خلال مؤتمر صحفي، عقده يوم الثلاثاء، تمسكه هو أيضاً بموقفه الرافض لتسمية أحد هؤلاء النواب في حكومته، باعتبارهم لا يشكلون كلتة نيابية واحدة، بل هم عبارة عن نواب مستقلين ينضوي بعضهم في كتل نيابية أخرى، فيما البعض الأخر مستقل عن أي كتلة، وهي الطريقة التي ذهبوا بها إلى الاستشارات النيابية الملزمة التي أجراها رئيس الجمهورية، وكذلك الاستشارات غير الملزمة التي أجراها الرئيس المكلف، وبالتالي تشدّد الرئيس الحريري في موقفه رافضاً تمثيلهم في وزارته من حصته، كما رفض تجاوز النص الدستوري في عملية التشكيل من خلال التدخّل ووضع "الفيتوات" على الأسماء والحقائب وما سوى ذلك، على اعتبار أن حق التشكيل هو حصري عند الرئيس المكلف بالتشاور مع رئيس الجمهورية، وهكذا تضخّمت هذه العقدة، وظهرت على هيئة تحدِّ بين طرفين، كل طرف فيهما يريد أن يفرض إرادته ورؤيته.

والحقيقة أن هذه العقدة الأخيرة التي أخّرت تشكيل الحكومة وحالت حتى لحظة كتابة هذه السطور دون ولادتها والاعلان عنها، على الرغم من حاجة البلد إليها، ليست عقدة كبيرة أو كأداء أو تستحق التضحية بالبلد واقتصاده واستقراره، وإثارة العصبية الطائفية والمذهبية من جديد من أجلها. الحقيقة أن هذه العقدة في أساسها وجوهرها هي عقدة محاولة الهيمنة على البلد، وعلى قراره، وتفريغ النصوص الدستورية الناظمة للحياة العامة من خلال الممارسة والتأثير، وبالتالي الإطاحة بالصلاحيات الموزّعة بين المكوّنات من خلال الفعل اليومي، تمهيداً لقلب الأمور وتكريسها الهيمنة عبر النص الدستوري، وهو أخطر ما في هذه اللعبة والمقامرة.

الحقيقة أن العقدة الأخيرة لا تستوجب كل هذا الضغط سوى أنها محاولة لتكريس منطق الغالب والمغلوب، والقاهر والمقهور، والمنتصر المُقرِر، والمهزوم القابل بالهزيمة، وهذا كله لا يبني شراكة حقيقية، ولا ثقة بالعيش المشترك في هذا البلد، مهما كانت العناوين جذّابة وبرّاقة وبريئة. الحقيقة أن البلد بات بحاجة ماسة لإعادة الثقة بين مكوّناته من جديد، وإلى قناعة حقيقية بالعيش معاً في وطن يتساوى فيه المواطنون، وإلى إلغاء التفكير بفكرة الغالب والمغلوب حتى لو كانت الغلبة لأي طرف، فالتمسك بمنطق العدالة والدستور هي القوة والغلبة الحقيقية، وإلاّ فإن المصطادين بالماء العكر كثر، وقد يجدون في وطننا الذي نجا من ويلات ما حلّ بالمنطقة، بحيرة عكرة وصيداً ثميناً طالما أرادوه.

وائل نجم