العدد 1588 /15-11-2023

سارة مطر

في حوار مع إحدى المنصّات الإعلامية، ولدى سؤاله عن سبب عدم نزوحه إلى جنوب قطاع غزة، قال الطبيب الفلسطيني الشهيد همّام اللّوح: "إذا ذهبتُ فمن سيعالج مرضاي؟ إنهم ليسوا حيوانات، بل لهم الحق في الحصول على الرعاية الصحية المناسبة. هل تعتقد أنني ذهبت إلى كلية الطب، ودرست 14 عاماً لأفكر فقط في حياتي وليس في مرضاي؟".

كان الطبيب الشاب (مواليد 1986) يعبّر عن المعنى الحقيقي لرسالة مهنة الطب، وما تحمله من تضحية وتفانٍ لإنقاذ الأرواح، لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة من جراء قصف إسرائيلي استهدف السبت الماضي منزل عائلته المجاور لمجمع الشفاء الطبي.

تتضارب المعطيات حول مصير والدة الشهيد همّام اللّوح وزوجته الحامل، وعمّا إذا كانتا قد نزحتا إلى جنوب القطاع، لكن تفيد معلومات بأن ابنته وابنه، وعمرهما أربع وخمس سنوات، لا يزالان تحت الأنقاض، في حين يكرر مقربون من العائلة عدم معرفتهم أي شيء عن مصير الطفلين.

في اتصال مع "العربي الجديد"، يوضح الطبيب الفلسطيني حازم ماضي، أن "المقابلة الأخيرة مع الطبيب همّام تكشف حقيقة معدنه وإنسانيّته، فهو لم يترك عمله، ولم يتخلَّ عن شرف مهنته، ورفض النزوح إلى جنوب غزة، ليبقى في شمال القطاع حتى الرمق الأخير. عرفت همّام زميلاً محترماً ملتزماً تجاه مرضاه، لا يساوم على مبادئه ورسالته. تعرفتُ إليه ضمن البرنامج الأردني لتدريب الأطباء في غزة، وكنا حينها نحو مائة طبيب، وتابعنا تخصصاتنا في عمّان، قبل أن نعود إلى قطاع غزة. قمنا بالعمل في وزارة الصحة، ثم التحقنا بكلية الطب في الجامعة الإسلامية كمحاضرَين. وقبل العدوان الإسرائيلي، انتقل هو للعمل في مجمع الشفاء الطبي ومستشفى شهداء الأقصى في شمال غزة، في حين باشرتُ العمل في المستشفى الأوروبي في جنوب القطاع، لكونه أقرب إلى مكان سكني".

يضيف ماضي: "الدكتور همّام بدأ تخصّصه الجامعي في كلية الطب بجامعة صنعاء باليمن، حيث تخرّج بتفوّق، وحاز بكالوريوس في الطب والجراحة، وبعدها عاد إلى غزة للحصول على شهادة الامتياز اللازمة لمزاولة المهنة، قبل أن ينتقل إلى الأردن، حيث تخصّص في الأمراض الباطنية العامة، وحاز المركز الأول في البورد الأردني، وكان يدرّب أطباء الامتياز الأردنيين في اختصاص الطب العام لاجتياز امتحاناتهم، كذلك تابع تخصّصه في أمراض وزراعة الكلى، نظراً لشدة الحاجة إلى هذا التخصص في قطاع غزة، وعاد عام 2021 إلى وطنه".

لم يمضِ على عودة الطبيب الشهيد إلى غزة أكثر من عامين، وكان ينتظر طفله الثالث. يقول صديقه الطبيب حازم: "كان طبيباً صبوراً، يحيط المرضى بكل التفاصيل، ويستمع إلى آلامهم، ويجيب عن أسئلتهم. كان طبيباً لامعاً، ملمّاً بالدراسات والمصادر العلمية، وكان يقضي معظم لياليه في المستشفى".

انضم الطبيب همّام اللّوح إلى قافلة الأطباء الشهداء في قطاع غزة، علماً أن العدوان الإسرائيلي يستهدف كل من يرتدي زيّ الطواقم الطبية. يقول الطبيب الفلسطيني المتخصّص في الأمراض الباطنية، محمد الحاج، لـ"العربي الجديد": "التقيتُه خلال فترة تخصّصي في الأردن، وكان أكبر مني، وأقدم مني في عمّان، فاحتضنني برفقة زملائي القادمين من غزة، وأصبح بمثابة الشقيق الكبير. من الناحية العلمية، كان معنا خطوة بخطوة خلال فترة التخصّص، وكنّا نلجأ إليه للحصول على أي استشارة، وكان يدعمنا دائماً، ويواظب على تفقد أحوالنا وحاجاتنا ومشاكلنا، ولم يتوانَ يوماً عن تقديم الدعم والمساعدة. كان همّام الأخ والسند، واختزل في شخصيته العِلم والأخلاق والرقيّ، حتى إنه كان يلُقّب بـ(الأسطورة) في الأردن".

حاز الطبيب الشهيد المركز الأول في البورد الأردني بأمراض الكلى، ويقول الطبيب الحاج: "عمل همّام لفترة وجيزة في عمّان قبل أن يعود إلى غزة، رغم أنّه حظي بعروض كثيرة، نظراً لكفاءته وتميّزه. لكنّه فضّل العودة إلى غزة ليكرّس علمه ومجهوده في خدمة أبناء شعبه، وكان يردّد دائماً: أريد العيش والعمل في غزة، وقد أخبرني شقيقي، وهو طبيب في مجمع الشفاء، أن همّام لم يترك عمله على الإطلاق، بل ثابر منذ بدء الحرب على مواصلة علاج مرضى غسل الكلى، ومتابعة غيرهم من المرضى".

في يومه الأخير، أراد الطبيب همّام أخذ قسط من الراحة في منزل العائلة المجاور لمجمع الشفاء، فذهب ضحية قصف الاحتلال. غير أنّ كلماته الأخيرة كرّست أخلاقيات مهنة الطب ومعانيها السامية، وجسّدت قسم اليمين قولاً وفعلاً وسط عالمٍ موغل في انعدام العدالة وغياب الإنسانية.