العدد 1571 /19-7-2023
أواب ابراهيم

قضيت في الغربة 12 عاماً.. طوال هذه الأعوام كنت أواجه مشقّة في إقناع من يلتقون بي أنني لبناني الجنسية. فكنت أحياناً ذاك الفلسطيني، وغالباً السوري. فصورة الرجل اللبناني الشائعة والرائجة والمطبوعة في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وعقول العالم لا تنطبق عليّ. وقد لخّص لي أحد الأصدقاء المفارقة حين قال أنه لأول مرة في حياته يلتقي بلبناني لا يشرب ولايدخن ويؤدي الصلوات.

قبل سنوات، نظمت مجموعة من العوائل من مدينة صيدا رحلة ترفيهية قاصدين ثلوج منطقة فاريا للهو. يومها قطع طريقهم نواب ورؤساء بلديات وفعاليات وأهالي المنطقة. فحسب هؤلاء، من جاء ليلهو بالثلج "لايشبهون اللبنانيين".

هذه كانت مقدمة للإشارة إلى موقف صدر عن إحدى الإعلاميات احتجاجاً على عدم تقديم أحد مطاعم بيروت للخمر. في بعض الأحيان، إهمال الأشخاص أفضل، لأنهم لايستحقون بذل الجهد للرد عليهم. لكنني سأتوقف عند ثلاث جزئيات بسيطة، اختصرتها أختنا في الكلمات التي ختمت بها موقفها حين كتبت "لماذا تغيير صورة لبنان الانفتاح؟ لا تدخلونا في عادات لا تشبهنا، بيروت لنا جميعاً".

الجزئية الأولى تتعلق بصورة لبنان. من المعروف أن لبنان يتألف طوائف متعددة، وبالتالي من قيم مختلفة، وعادات متباعدة. فمَن مِن اللبنانيين يحق له أن يفرض صورة لبنان، ويرفض أن يكون لغيره من اللبنانيين نصيبهم من هذه الصورة. من الذي أعطى بعض اللبنانيين الحق أن يكرسوا في أذهان العالم صورة عن اللبنانيين تنسجم معهم وتخالف صورة الآخرين. نحن هنا لا نتحدث عن قلة وكثرة، حرصاً على عدم إحراج البعض وإيذاء مشاعرهم، علماً أن من أراد الحصول على نسبة تقريبية لتوزيع الطوائف في لبنان يمكنه مراجعة لوائح الشطب في الانتخابات النيابية. طوال العقود الماضية سادت في الوطن العربي والعالم صورة مغلوطة، أو على الأقل مجتزأة عن المواطن اللبناني. فهو ليس دائماً ذلك الذي يشرب الخمر، أو تلك التي تصاحب الرجال، والذي "يطعج" حنكه حين يتحدث. لكن هناك شريحة واسعة أخرى من اللبنانيين لاتشرب الخمر، ولا ترتكب المحرمات، وملتزمة دينياً، ولا "تطعج" حنكها". قد لا تكون متزمتة، لكنها غير متفلتة. هذه الشريحة غائبة عن أذهان العالم، ولا أحد حاول فرض وجودها. لكن حين تعبّر هذه الشريحة عن نفسها، وترغب بممارسة معتقداتها والالتزام بتعاليم دينها، فلا أحد يملك مصادرة هذا الحق. فكما أن بعض اللبنانيين لديهم قيم ومعتقدات وأفكار، هناك مواطنون كثر لايشاطرون هذه الأفكار والمعتقدات والقيم.

الجزئية الثانية هي تلك المتعلقة بالعادات التي تشبه اللبناني، والعادات التي لا تشبهه. من قال أن شرب الخمر عادة تشبه اللبناني. فشريحة واسعة من اللبنانيين من طوائف مختلفة تشكل أغلبية لهذا البلد تؤمن بحرمة شرب الخمر، وحرمة الزنا، وحرمة الشذوذ، وحرمة تعاطي المخدرات. فإذا رغب بعض اللبنانيين ممارسة هذه الأمور ربما يكون له ذلك إذا كانت هذه الأمور لاتخالف القانون، لكن ليس لأحد أن يلصق باللبنانيين الادّعاء بأن شرب الخمر من عاداتهم، أو أن الزنا من عاداتهم، أو أن القبول بالشذوذ الجنسي طبيعي بالنسبة لهم. ربما يكون مقبولا ًبالنسبة لفئة منهم، لكنه حتماً مرفوض من آخرين، سواء أعجب ذلك البعض أم لم يعجبه.

أما الجزئية الثالثة فهي الشعار الفضفاض الذي رفعته أختنا، وهو أن "بيروت لنا جميعاً". وهذا الادّعاء لم يكن ينتظر أحداً لمعرفته. فلأن بيروت "لنا جميعاً"، ليس لأحد احتكارها تمثيلها. ولكل اللبنانيين حقوق متساوية، ليس لأحد أن يعتبر ما يريده هو ما يريده الآخرون ويفرضه عليهم. من أراد أن يشرب الخمر فليذهب إلى مكان يقدم الخمر، ومن لايريد ذلك يذهب إلى مكان لا يقدمه. فبيروت لنا جميعاً، هي ليست لكَ أو لكِ أو لكم، هي "لنا جميعاً"، وما ينطبق على بيروت ينطبق على كل لبنان.

أوّاب إبراهيم