العدد 1573 /2-8-2023
أواب ابراهيم

من حيث لم يحتسب أحد، انفجر الوضع الأمني في مخيم عين الحلوة، بشكل متشعب ومعقد، تتداخل فيه عوامل كثيرة، بعضها يمكن أن يكون مفهوماً وبعضها الآخر يبقى غامضاً، أو عرضة للكثير من التأويل.

انفجار الأزمة كما في الأزمات الكثيرة السابقة، له أكثر من بُعد وسبب وهدف، تبدأ من الصراعات الدائمة والمفتوحة على النفوذ في المخيمات، ولا تنتهي بأبعاد سياسية ترتبط بها جهات لبنانية وجهات خارج لبنان. يكفي أن يكون هناك بؤرة مشتعلة، ليكون الاستثمار حاضراً من أجهزة كثيرة.

بُعد آخر للصراع، وهو مزمن بين قوى فلسطينية تاريخية تريد احتكار تمثيل الفلسطينيين، وآخرى بات لها حضورها وحيثيتها وشعبيتها بين اللاجئين في لبنان. لذلك، يشهد مخيم عين الحلوة بين فترة وأخرى عملية اغتيال أو تصفية، سرعان ما يتم تطويقه كي لا ينفجر أكثر.

هي حلقة جديدة من الصراعات بين فصائل فلسطينية وجهات أخرى عبر التقاتل فيما بينها. صراعات لها أبعاد متعددة، تتجاوز مسألة الصراع على النفوذ أو بسط السيطرة، وتتخطى كل محاولات إضعاف قوى على حساب أخرى. تلك الحلقة ستفتح المجال أمام تداعيات كثيرة سياسياً في الداخل والخارج، وستعيد إحياء مشروع نزع السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، والذي سيعود ليتطور ويتوسع أكثر في المرحلة المقبلة ليشمل إعادة تجديد النشاط حول المطالبة بتطبيق القرار 1559.

ثمّة من يقول، أن السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها واحداً من البنود التي اتفق على معالجتها في طاولة الحوار التي انعقدت في العام 2006 وأطاحت بنتائجها حرب تموز. ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم لا أحد يعلم سبب بقاء السلاح الفلسطيني في المخيمات وخارجها. فهذا السلاح ليس قادراً على تحرير فلسطين ولا قادراً على تغيير المعادلات في المنطقة، ولا لزوم له في حماية الفلسطينيين، وإن كان هذا السلاح لحماية الفلسطينيين كما يردد البعض، فواضح مما جرى في مخيم نهر البارد ومما يجري في مخيم عين الحلوة أنّه سلاح لقتل الفلسطينيين وزيادة بؤسهم وترويعهم، ومن يتابع آراء الفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي، يدرك حجم الغضب مما يشهده المخيم، ويطالب بسحب السلاح من المخيمات، وتسليم مهمة حفظ الأمن فيها للجيش اللبناني، رغم الذكريات الأليمة التي جمعت الفلسطينيين بالجيش اللبناني خلال سنوات الحرب الأهلية.

هي مأساة كاملة وعبثية أن تستمر الأوضاع على ما هي عليه في عين الحلوة كما في كل المخيمات الفلسطينية الأخرى. فالمشكلة تحتاج حلولاً جذرية. حلول لايجب أن يقتصر طابعها على الإجراءات الأمنية والعسكرية فقط. فمعالجة البُعدين الاجتماعي والاقتصادي دور أساسي في نزع فتيل صاعق جاهز للانفجار كل حين، وكلما أراد أحد العبث بأمن المخيمات. فالانهيار الاقتصادي الذي يعيشه لبنان، انعكس أكثر حدة وعمقاً على اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، في ظل ازدياد نسبة البطالة فيما بينهم، وحرمانهم من العمل في عشرات المهن، ومنعهم من حقّ التملّك، بالإضافة لتراجع كبير في خدمات وكالة الأنروا وتحديداً التقديمات الطبية والتربوية بسبب ضعف ميزانية الوكالة، لكل هذه الأسباب إضافة لأخرى، باتت المخيمات وأهلها بيئة خصبة للاختراق ولشراء الذمم والتبعية، وبرميل بارود جاهز للاشتعال.

أوّاب إبراهيم