العدد 1579 /13-9-2023
أواب ابراهيم

يشهد مخيم عين الحلوة وهو أكبر مخيم فلسطيني في لبنان عملية تدمير منظمة، وعملية تهجير، تحاكي عمليات التهجير التي شهدتها مخيمات فلسطينية أخرى، أبرزها مخيم اليرموك في سوريا من قبل النظام.

يمكن تركيب الكثير من الأفكار حول الأهداف المراد تحقيقها من اشتباكات عين الحلوة، فيما نتيجته البسيطة والمباشرة هو الدخول في الفوضى بطريقة متدرجة، وسط غياب أي قدرة لدى أيّ طرف على الحسم. فلا القوى المتقاتلة قادرة على حسم المعركة، ولا الحكومة اللبنانية قادرة على الحسم سياسياً، ولا حتى الجيش اللبناني في وارد الدخول والتورط بمعركة طويلة واستنزافية في ظل هذه الظروف، فتجربة مخيم نهر البارد مازالت ماثلة في أذهان ضباط وعناصر الجيش، ما سيعكس الكثير من التخلخل في أساس ومرتكزات مهترئة أصلاً.

بالعودة للمعركة الدائرة داخل المخيم، فما زالت المواقع العسكرية للطرفين المتحاربين شبه ثابتة رغم كثافة النيران، وسقوط اتفاقات وقف إطلاق النار، بما يرجح استمرار المعركة، وإن تخللتها بعض الهدن لالتقاط الأنفاس، وتعزيز المواقع. وطرحت كثافة النيران والأسلحة المستخدمة عدة تساؤلات واستنتاجات، من بينها أن القوى المتصارعة استخدمت كل تلك القوة النارية غير المسبوقة لاطمئنانها إما إلى حجم التخزين، أو للسهولة النسبية في الإمدادات العسكرية. وكذلك فإن هذه القوة التي استُخدمت في فترة زمنية قصيرة كانت تعبيراً عن حاجة حركة فتح تحديداً إلى حسم سريع، وهي تعلم أن إطالة أمد المعركة غير مسموح بها، لا من القوى السياسية في لبنان، ولا من الأجهزة الأمنية، وأن فترة السماح لا تتعدى أياماً في العادة، توجب استراحة، كما أنها أرادت تعويضاً عن خسائرها الكبيرة. لذلك هناك استبعاد كبير أن يستطيع أي طرف الحسم العسكري لصالحه، رغم الاختلال العددي بين حركة فتح و"الشباب المسلم" لصالح الأولى، إلا إذا دخلت عوامل جديدة على ساحة المعركة.

فحروب المخيمات غالباً ما كانت تنتهي باتفاق، مهما بلغ التوازن أو اختلاله بين المتقاتلين. وفي حالة هزيمة طرف يكون بعد تدمير شبه كامل لمناطق نفوذه، وهو غير متوافر حتى اللحظة. أما العوامل التي يمكن أن تُغير من اتجاه المعركة فهي كذلك غير متوفرة. كما أن سيطرة "الشباب المسلم" على المخيم، ربما يدفع باتجاه توافق سياسي فلسطيني لبناني بغطاء إقليمي ودولي يقود إلى إلحاق الهزيمة بالقوى الإسلامية "المتشددة".

اشتباكات عين الحلوة ليست مجرد صدامات أمنية ظرفية نتيجة تنافس على النفوذ داخل المخيم، بل هي أبعد من ذلك وتتصل بصراع سياسي عميق على المرجعية السياسية لفلسطينيي لبنان. فعين الحلوة، هي صورة مكبّرة لباقي المخيمات الفلسطينية. قنابل بشرية موقوتة وألغام سريعة الانفجار، كانتونات داخل الدولة. وفي الكانتون الواحد تجمعات لميليشيات مسلحة "فاتحة على حسابها". أما الآمنون في المخيم، فهم بالنسبة لهذه الميليشيا مجرّد كتل من بشر وقهر تعيش هدنة بين نزوح وآخر، وبين معركة نفوذ وارتداداتها.

لا معنى لمعارك عين الحلوة غير القتل والتوتير وتسجيل المزيد من الضحايا. لا قيمة سياسية لما يجري في هذه البقعة عندما يتعلّق الأمر بتحرير فلسطين وحق العودة، القيمة الوحيدة هي النزف المستمرّ. وحق العودة يصبح حلماً بالعودة من مدرسة الأونروا إلى حي حطين، أو من المخيّم الملغى إلى حي البركسات.

وهنا، ليس كافياً إلقاء اللوم على الأصابع الإسرائيلية، والقول إنّ ما يجري يخدم "إسرائيل". ليس في ذلك اكتشاف جديد ولا إحباط لمؤامرة. المهمّ النتيجة القائمة، ومختصرها أنّ عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين المكدّسين في بقعة عين الحلوة يتحوّلون إلى ضحايا، مجاناً ومن دون نتيجة سوى تسجيل المزيد من أسماء القتلى وتعليق المزيد من الصور.

أوّاب إبراهيم