العدد 1576 /23-8-2023
أواب ابراهيم

لا تشي الاتصالات الدائرة حول الملف الرئاسي في لبنان بأيّ تطور جدي، ولا يزال الجمود قائماً، ولا يُتوقع لهذا الجمود أن يتغير في المرحلة المقبلة طالما أن جميع الفرقاء مستمرون في إصرارهم على التمسك بمرشحهم، كما يصرّون على التمسك بتعطيل الاستحقاق الرئاسي حتى إيصال مرشحهم إلى قصر بعبدا، ولو طال الزمن.

تجتمع كل العوامل لتقضي على الآمال بانتخاب رئيس قريباً، ما يدلّ على إطالة أمد الفراغ، إلا إذا حصلت معجزة تخلط الركود القاتل. فلم يسبق للمراجع السياسية والدستورية والديبلوماسية أن التقت على قراءة شبه موحّدة للوضع في لبنان كما في الفترة الأخيرة. فقد استشعر الجميع أنّ البلد يعيش مرحلة من المخاض الذي يمكن أن يقود إلى ما لم يتوقعه أحد بعد. فالطريق إلى ارتطامٍ ما، باتَ معبّداً بكل المؤشرات السلبية في ظل غياب أي مبادرة تضع حداً لما يجري.

فبموازاة تشدّد جميع الأطراف، وبروز خطاب سياسي أعاد لأذهان اللبنانيين مراحل من الحرب الأهلية، تستمر مبادرة فرنسا الرئاسية في استنزاف الوقت من دون طائل، وتقدم هذه المبادرة خدمة مجانية في تشتيت التركيز على ضرورة انتخاب الرئيس، وتذهب بالملف إلى متاهة إجراء حوار، طالما كان وسيلة لاستنزاف الوقت ولفرض الخيارات بقوة التعطيل. وضعت باريس نفسها في موقف لا تُحسد عليه. فقد اهتزّت الثقة بدورها، وهي لم تستطع ترميم الثقة مع معظم أطراف الداخل. وبات الدور الفرنسي في لبنان ثانوياً ولا يستطيع تغيير مجريات الأحداث.

في موازاة التخبّط الفرنسي، لا تنبئ المناورات الداخلية، بحدوث أي اختراق جدي. فعلى خط الاتصالات بين التيار الوطني الحر وحزب الله، لا يُتوقع التوصل إلى اتفاق على تبنّي ترشيح سليمان فرنجية، أقلّه في المرحلة المنظورة. لذا سيبقى هذا الجمود قائماً، وسيطول أمد الفراغ، الذي ربما يفوز في بُعده الزمني.

من جهة ثانية، لا يوجد أي تغيّر في الموقف الأميركي، والقرار ما زال هو نفسه بعدم انتخاب رئيس يخدم إيران ومحور الممانعة. وإذا انتُخب مثل هكذا رئيس فلا مانع عند الأميركيين لكن لن تكون هناك مساعدات لا عربية ولا غربية، وبالتالي عاد التشدد الأميركي والسعودي إلى ما كان عليه، وهذا الأمر يُفرمل الدور الفرنسي ويُعيد التفاوض في الملف الرئاسي إلى المربّع الأول، ويضعه في أيدي واشنطن والرياض وطهران وقبلهم الدوحة.

وبحسب العارفين، فإن المساعي القطرية في لبنان لم تتوقف لكنها فُرملت بانتظار الجديد، إذ لا يخفى على أحد دعم قطر لترشيح قائد الجيش، وهي على عكس الفرنسيين، ترى بالعماد جوزف عون المرشح، وتعتبر أن عون قادر على جمع الأضداد داخل المجلس النيابي وهي حاولت إقناع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بهذا الخيار.

لكن عندما وجدت الدوحة أن الظروف الخارجية غير مؤاتية لتفعيل مبادرتها في لبنان، فرملتها ولم توقفها. ربما تنتظر الفشل الأخير للمبادرة الفرنسية، وزيارة المبعوث الفرنسي إلى لبنان، لكي تعود بمبادرتها التي لن تتحرك قبل حصولها على ضوء خارجي، وهنا المقصود بالخارج إيران أيضاً.

ولم يعد سراً أن أصل الأزمة بالنسبة لمسار الاستحقاق الرئاسي يكمن بأنها ترتبط بالتطورات القائمة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبالتالي المعالجة ترتبط بقرار يأتي من الخارج يتم تنفيذه بأدوات داخلية. لكن في ظلّ عدم وضوح الصورة بشكل نهائي، خصوصاً على مستوى المنطقة، من الصعب تصوّر الوصول إلى حلّ، وهو ما يبرر تحوّل هذا الاستحقاق إلى ما يشبه البورصة، التي تتبدل فيها التوقعات بين لحظة وأخرى.

أوّاب إبراهيم