العدد 1609 /17-4-2024
بسام غنوم

أثار رد إيران على قصف قنصليتها من قبل إسرائيل في دمشق الكثير من ردود الفعل سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد الشعبي، وتراوحت ردود الفعل بين اعتبار رد فعل إيران على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق سياسي أكثر منه عسكري، وبين من اعتبره رد فعل استعراضي لا أكثر ولا أقل من أجل حفظ ماء الوجه أمام الشعب الإيراني أولا، الذي كان يسمع منذ وقت طويل أن صبر إيران سينفذ وأنه سيتم معاقبة إسرائيل على جرائمها بحق إيران والشعب الفلسطيني، وثانيا أمام شعوب المنطقة عامة وخصوصا في غزة وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق التي كانت تأمل برد إيراني يتناسب مع حجم الإجرام الصهيوني المتمادي في غزة وفلسطين بعد معركة طوفان الأقصى.

ويبدو أن إيران قد اختارت طريقا آخر في تعاملها مع العدوان الإسرائيلي على قنصليتها في دمشق، حيث قامت إيران بإبلاغ أميركا عبر سويسرا وغيرها من الدول أنها ستقوم برد محدود على إسرائيل وان هذا الرد لن يشمل المدن الكبرى والمراكز المدنية في إسرائيل، وأعلمت دول المنطقة قبل 72 ساعة من الهجوم الإيراني على إسرائيل بموعد الهجوم، ومع ذلك قامت إسرائيل وأميركا وفرنسا وبريطانيا والأردن بالاستعداد لصد الهجوم الإيراني المحدود على إسرائيل، واستطاع هذا التحالف مع بعض الدول العربية الأخرى إفشال الهجوم الإيراني على إسرائيل، وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنه تم تدمير معظم الطائرات المسيرة الإيرانية وكذلك الصواريخ التي أطلقت من إيران، وان نتيجة الهجوم هي انتصار عسكري لإسرائيل وأميركا وقوى التحالف الغربي والعربي.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل استطاعت إيران تحقيق الأهداف السياسية والعسكرية من هجومها على إسرائيل؟

يبدو أن الهجوم الإيراني على إسرائيل كان يحمل رسائل سياسية أكثر منه رسائل عسكرية نظرا لمحدودية الهجوم أولا، ولرغبة إيران في عدم الدخول في صراع مفتوح مع إسرائيل وأميركا وأوروبا ثانيا، بعد معركة طوفان الأقصى خصوصا في ظل عدم تكافأ القوى بينها وبين أميركا وباقي دول التحالف.

لكن لماذا قامت بالهجوم إذا كانت تدرك ذلك؟

إيران بعد معركة طوفان الأقصى وجدت نفسها محرجة أمام شعبها أولا، وأمام الشعوب العربية والإسلامية ثانيا، خصوصا وان الدعاية العسكرية الإيرانية وأيضا على لسان المسؤولين الإيرانيين، كانت تؤكد على قدرة إيران على تدمير إسرائيل خلال 8 دقائق كما كان يصرح قادة الحرس الثوري الإيراني، ومع بدء معركة طوفان الأقصى وتوغل العدو الإسرائيلي في جرائمه بحق أهلنا في غزة وفلسطين، كانت الشعوب العربية والإسلامية تتوقع ردا كبيرا من إيران على إسرائيل دعما لغزة وفلسطين، لكن إيران اختارت ما سمته "الصبر الاستراتيجي" في مواجهة الهمجية الإسرائيلية في غزة وفلسطين، وسمحت لقوى المقاومة في المنطقة بالقيام بعمليات إسناد محدودة للمقاومة في غزة، رغم أن العدو الإسرائيلي كان يستهدف بصورة شبه يومية مراكز الحرس الثوري والفصائل الموالية لإيران في سوريا، وكانت الغارات الإسرائيلية في دمشق وباقي المدن السورية توقع خسائر كبيرة جدا في الأرواح والمعدات في صفوف الحرس الثوري والفصائل الموالية لإيران، ومع ذلك امتنعت إيران عن الرد على أي هجوم إسرائيلي طال قواعد ومراكز الحرس الثوري في سوريا، حتى جاء استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق من قبل إسرائيل، ولم يعد بإمكانها عدم الرد لأن استهداف القنصلية في العرف الدولي هو استهداف للأراضي الإيرانية.

لذلك كان لا بد من رد عسكري محدود لإيران على إسرائيل يحفظ لها ماء وجهها أمام شعبها أولا، وأمام شعوب المنطقة ثانيا، إلا أن إيران اختارت ردا محدودا على إسرائيل من أجل الحفاظ على مصالحها السياسية والمذهبية في المنطقة، بحيث لا يؤدي هذا الرد إلى قيام مواجهة مفتوحة مع أميركا وإسرائيل والدول الأوروبية وتخسر ما حققته طوال السنوات الماضية في المنطقة، حيث ميزان القوى ليس لصالحها عسكريا وسياسيا، وفي نفس الوقت توجه رسالة لأميركا بأن إيران وان كانت تدعم حركة حماس وقوى المقاومة في المنطقة، إلا أنها في نفس الوقت حريصة على مصالحها وعلى الأمن والاستقرار في المنطقة، ولا تريد الدخول في حرب مفتوحة مع أميركا والدول الأوروبية والعربية الموالية لأميركا.

بالخلاصة يمكن القول الهجوم الإيراني على إسرائيل أثار إحباطا لدى أهلنا في غزة وفلسطين، ولدى الشعوب الشعوب العربية والإسلامية، التي تفاجأت من ضعف الرد الإيراني والذي غلب عليه حالة الاستعراض لا أكثر ولا أقل. ويبقى الأمل لأهلنا في غزة وفلسطين بنصر من الله وحده. "وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم".

بسام غنوم