العدد 1608 /3-4-2024
قاسم قصير

يزداد الانقسام السياسي والشعبي والديني في لبنان حول الحرب في الجنوب والتطورات الداخلية، حيث برزت بوضوح في الأيام الأخيرة المواقف الحادة التي أطلقها البطريرك الماروني مارا بشارة الراعي والتي انتقد فيها المشاركة في الحرب لدعم الشعب الفلسطيني من قبل قوى لبنانية وكذلك توجيه الانتقادات للرئيس نبيه بري بسبب عدم الدعوة لعقد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية.

وقد حرص الرئيس نبيه بري وحزب الله على عدم الرد على انتقادات البطريرك الراعي، ولكن المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان تولى الرد مؤكدا دور المقاومة في حماية لبنان ومنع الكيان الصهيوني من تحويل الجنوب إلى مستوطنات إسرائيلية.

وهذا السجال الديني والسياسي يعكس وجود انقسام عامودي في لبنان بين وجهتي نظر حول دور المقاومة وسلاح حزب الله والموقف من دعم القضية الفلسطينية، إضافة للخلاف حول كيفية مقاربة الملفات الداخلية ومعالجة الأزمة الرئاسية.

فما هي أسباب الانقسام والخلاف الداخلي اليوم؟ وهل ستؤدي هذه الخلافات إلى تفجير الساحة الداخلية أو تنجح الدعوات إلى الحوار والوحدة في منع تفاقمها والعمل لتوحيد الموقف اللبناني في مواجهة العدو الصهيوني؟

أسباب الانقسام والخلاف الداخلي

بداية ما هي أسباب تفاقم الانقسام والخلاف الداخلي في هذه المرحلة؟ وتحوله أحيانا إلى صراع إسلامي- مسيحي أو مسيحي – شيعي؟

هناك عدة أسباب يمكن أن تكون سببا إلى تفاقم الخلاف والانقسام الداخلي ومنها:

أولا: الفشل في انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتحميل فريق من اللبنانيين للرئيس نبيه بري وحزب الله مسؤولية هذا الفشل رغم أن هناك أطرافا أخرى تتحمل هذه المسؤولية أيضا.

ثانيا: عدم رضا أطراف مسيحية على أداء حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها الرئيس نجيب ميقاتي والحديث عن قيام الحكومة ورئيسها بالسيطرة على صلاحيات رئيس الجمهورية وكذلك ملء المواقع المسيحية بموظفين مسلمين وعدم مراعاة المناصفة وإلى غير ذلك من الحجج، مع أن موقع مدير عام الأمن العام بالوكالة تتولاه اليوم شخصية مارونية بدل الشخصية الشيعية، كما وافق مجلس النواب على التمديد لقائد الجيش لمنع الفراغ في قيادة الجيش، والحكومة حريصة على الأخذ بالاعتبار مطالب الأطراف المسيحية في التعيينات، لكن غياب وزراء التيار الوطني الحر عن الحكومة هو السبب في وجود الخلل أحيانا.

ثالثا: الخلاف حول كيفية دعم الشعب الفلسطيني ورفض فتح جبهة الجنوب وتوجيه الاتهامات لحزب الله والمقاومة بأنهما يورطان لبنان في الصراع ضد العدو الإسرائيلي وهناك دعوات لتطبيق القرار 1701، لكن هذه الاتهامات تتناسى خطورة المشروع الصهيوني على لبنان واستمرار الكيان الصهيوني لاحتلال أراض لبنانية والانتهاكات الإسرائيلية للقرار 1701 طيلة 18 سنة الماضية.

هذه أبرز الخلافات اليوم، وطبعا هناك خلافات أكبر حول مستقبل لبنان ودوره وكيفية معالجة الأزمات المختلفة والفساد وملف التحقيق في جريمة المرفأ وحول الدعوة للحياد والدعوات لتحرير لبنان من الاحتلال الإيراني وتحميل حزب الله أو الشيعة كل مشاكل لبنان، وكل ذلك أدى لبروز انقسام لبناني داخلي ودعوات للفيدرالية وحملات إعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأجواء حرب أهلية صامتة.

هل تنفع دعوات الحوار والوحدة؟

في مواجهة أجواء الانقسام والخلاف الداخلي برزت خلال الفترة الأخيرة دعوات للحوار والوحدة ومواجهة الانقسام بتوحيد المواقف الوطنية لمواجهة العدوان الإسرائيلي؟ فهل ستنجح هذه الدعوات في التخفيف من أجواء الانقسام؟

انطلقت منذ فترة عدة محاولات حوارية وعملت بعض المجموعات والمؤسسات الحوارية لعقد طاولات حوار معلنة وغير معلنة وجرى خلال هذه اللقاءات تبادل الأفكار والآراء، وشارك فيها عدد كبير من الشخصيات الفكرية والسياسية والإعلامية وبعضها كان برعاية البطريركية المارونية وبعضها من قبل مؤسسات فكرية وحوارية ومراكز دراسات وأبحاث وجامعات لبنانية وأحيانا بدعم من مؤسسات أجنبية، وساهمت هذه المبادرات الحوارية بتبادل الآراء والأفكار وتحديد نقاط الخلاف والتوصل إلى بعض المقاربات المشتركة، لكن للأسف لم تتحول إلى مبادرة سياسية وتنفيذية، وجاءت التطورات في فلسطين وجنوب لبنان لتنسف الأجواء الإيجابية وتعيد أجواء السجالات والنقاشات والخلافات بين مختلف الأطراف اللبنانية.

وما يجري اليوم يذكر بمراحله سابقة في التاريخ اللبناني، كما حصل عام 1958 حيث أدت الخلافات السياسية إلى ثورة شعبية وتدخل أميركي، وكذلك ما حصل في العام 1975 واندلاع الحرب الأهلية والتي استمرت 15 سنة وانتهت باتفاق الطائف وكما حصل عام 2008 حيث أدت الخلافات إلى معارك داخلية انتهت باتفاق الدوحة.

فهل سنشهد اليوم حربا أهلية جديدة ومن ثم اتفاق سياسي جديد؟ أو تنجح المبادرات الداخلية والخارجية بتجنيب لبنان تحول الخلافات إلى حرب أهلية؟

قاسم قصير