العدد 1607 /27-3-2024

أنقرة– شهدت خريطة التحالفات في الانتخابات المحلية التركية تغييرا لافتا بانسحاب حزب الرفاه الجديد، بقيادة محمد علي فاتح أربكان، من تحالف الشعب الذي يترأسه حزب العدالة والتنمية الحاكم، مما ينبئ بملامح جديدة للمنافسة السياسية، ويشير إلى فصل جديد من التنافس والاستقطاب السياسي.

وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة، تمكن "الرفاه الجديد" من الحصول على 1.5 مليون صوت، مما يمثل نسبة 2.8% من إجمالي أصوات الناخبين، وهو ما أهّله لشغل 5 مقاعد بالجمعية الوطنية الكبرى، بعد انضمامه المتأخر إلى تحالف الشعب ودعمه للرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية، متخليا عن نيته خوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية بمفرده.

ويعد "الرفاه الجديد" من الأحزاب المحافظة دينيا واجتماعيا، ويرى نفسه الوريث الحقيقي لمبادئ "الرؤية الوطنية" التي وضعها نجم الدين أربكان، ومن أهدافه المعلنة "إقامة عالم جديد ونظام عادل تحت قيادة تركيا الكبرى مرة أخرى" بالتوازي مع الأخذ بمبدأ "الأخلاق أولاً". وقد زاد عدد أعضائه من 260 ألفاً إلى 474 ألفاً، ويطمح إلى تخطي حزبي "الحركة القومية" و"الجيد" ليصبح ثالث أكبر حزب سياسي في البلاد خلال الفترة القادمة.

ورغم تقاربه الأيديولوجي مع "العدالة والتنمية" فإن "الرفاه الجديد" بات يُعرف كقوة معارضة للحكومة الحالية، لا سيما أنه يضم في صفوفه عدداً لا يُستهان به من المنشقين عن الحزب الحاكم، كما رفض خوض الانتخابات المحلية المرتقبة تحت مظلة تحالف الشعب، مما قد يعود بالضرر على مرشحيه ويصب في مصلحة مرشحي المعارضة.

تحديات

وفي حديثه للجزيرة نت، سلط المحلل السياسي أحمد إبراهيم أوغلو الضوء على التحديات الجديدة التي يواجهها "العدالة والتنمية" نتيجة لتقديم "الرفاه الجديد" مرشحين بالانتخابات البلدية، إذ يرى أن هذه الخطوة من شأنها أن تزيد من فرص فوز مرشحي حزب الشعب الجمهوري في تلك البلديات بسبب التقاطع في قواعد الدعم بين الأحزاب المحافظة.

ويشير إبراهيم أوغلو إلى أن حزب الرفاه الجديد، بسياسته الجديدة المتمثلة في التواصل مع القواعد الغاضبة والمتحفظة من "العدالة والتنمية" -بالإضافة إلى ترشيح أشخاص لم يحصلوا على ترشيحات من الأخير في مدن ومحافظات مختلفة- يشكل تحديًا مباشرًا ويقلق الحزب الحاكم.

ويلفت إلى أن أردوغان انتقد "الرفاه الجديد" بخصوص هذا الأمر، خلال حفل نظمه "العدالة والتنمية" في مدينة قونيا، حين قال "نواجه صعوبة في فهم أولئك الذين يعتقدون أنهم يمارسون السياسة من خلال التركيز على جذب أصوات العدالة والتنمية".

مفاوضات وشقاق

مع انطلاق "العدالة والتنمية" في تجهيزاته للانتخابات المحلية، شهدت الساحة السياسية بدء مرحلة التفاوض مع "الرفاه الجديد" لإقناعه بالدخول تحت مظلة تحالف الشعب مجدداً.

ورغم جولات التفاوض الخمس التي عقدت بين الطرفين للتوصل إلى تفاهمات مشتركة، فإن هذه المناقشات لم تثمر عن أية اتفاق، الأمر الذي دفع "الرفاه الجديد" إلى السير قدماً في خططه الخاصة، متخذاً قراراً بالدخول إلى غمار الانتخابات المحلية مع قائمة مرشحيه المستقلين.

وبهذا الصدد، قال فاتح أربكان في تصريحات "أجرينا محادثات مع العدالة والتنمية بشأن إمكانية التعاون بالانتخابات المقبلة، حيث تقدمنا بطلب لإدارة بلديتي أرنؤوط كوي وسلطان بايلي في إسطنبول، إلا أن طلبنا قوبل بالرفض، لذا لن نخوض الانتخابات من أجل المساعدة في فوز أو خسارة أحد الأطراف، بل من أجل أن يفوز الحزب بمرشحيه".

وأضاف "نؤكد موقفنا بعدم الانسحاب من السباق الانتخابي المقبل، فالانسحاب يعني ببساطة تحويلنا إلى بديل ثانوي لحزب العدالة والتنمية، وهو ما لا نقبل به".

وذكر فاتح أربكان أن هناك إجماعا بين مؤسسات استطلاعات الرأي على ارتفاع شعبية "الرفاه الجديد" وقال "نتوقع أن نتجاوز عتبة الـ20% من إجمالي الأصوات بالانتخابات المقبلة. الاستطلاعات التي صنفتنا سابقًا ضمن فئة (الآخرين) ولم تمنحنا حتى 1%، تشير الآن إلى أننا قد نحصل على نسبة تتراوح بين 7% و8% في هذه الدورة الانتخابية".

وسيخوض "الرفاه الجديد" غمار الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في 31 مارس/آذار الجاري، مستعرضًا قائمة تضم 617 مرشحًا لشغل مناصب رئاسة البلديات. وتشمل هذه القائمة مرشحين لتولي زمام الأمور في 30 بلدية حضرية و51 بلدية إقليمية، بالإضافة إلى 456 مقاطعة و90 منطقة، مما يعكس طموح الحزب لتوسيع نفوذه على مختلف الأصعدة المحلية.

يقول إبراهيم أوغلو إن المحافظين يشكلون القاعدة الشعبية لحزب الرفاه الجديد، وعدم تقديمه مرشحين بالانتخابات كان سيزيد من أصوات الأحزاب التي تمتلك قاعدة شعبية من المحافظين مثل "العدالة والتنمية" إلا أن تطلعات هذا الحزب لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة بشكل مستقل شجعته على خوض غمار الانتخابات البلدية منفرداً بهدف كسب ثقة الناخبين.

أزمات داخلية

واجه حزب "الرفاه الجديد" سلسلة أزمات أثرت سلبًا على استعداداته للدخول في الانتخابات المرتقبة، حيث تمثلت أبرز هذه الأزمات في موجة الاستقالات التي ضربت صفوف أعضائه الفاعلين.

كما أفادت وسائل إعلامية إلى أن حوالي 50 من المؤسسين الأساسيين للحزب في شانلي أورفا، والذين كانوا يتولون مهام هامة، قد تخلوا عن مواقعهم وانتقلوا إلى "العدالة والتنمية" مما زاد من حدة التحديات التي يواجهها الحزب.

وفي ذات الإطار، تسبب مرشح "الرفاه الجديد" بمنطقة الفاتح بإسطنبول في جدل واسع وردود فعل غاضبة بعد نشره مقطع فيديو يسيء للاجئين متعهدا بترحيلهم و"وضعهم في صناديق وإرسالهم إلى بلدانهم" مما اضطر الحزب لحذف الفيديو وإصدار بيان اعتذاري، يؤكد أن مضمون الفيديو لا يمثل الموقف الرسمي للحزب تجاه اللاجئين، وأنه ملتزم بدعم "المظلومين" في شتى بقاع الأرض.