العدد 1610 /24-4-2024

بعد أشهر من الشدّ والجذب في أروقة واشنطن وداخل الكونغرس، تمكن مجلس النواب الأميركي، أول من أمس السبت، من تخطي عقبة التيار المتشدد الجمهوري الحليف للرئيس السابق دونالد ترامب، وتمرير حزمة المساعدات الواسعة، لثلاثة حلفاء أساسيين للولايات المتحدة، يواجهون أحد أبرز خصومها، وهم أوكرانيا وإسرائيل وتايوان، بمواجهة روسيا وإيران والصين.

ويرى متابعون أن التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران، والهجوم الإيراني بالصواريخ والمسيَّرات الذي استهدف الأراضي المحتلة في 13 إبريل/ نيسان الحالي، خدم الرئيس الأميركي جو بايدن وفريقه، الذي كان يحثّ الكونغرس على تسريع تمرير المساعدات. إذ بينما لم يكن المشروع عالقاً في مجلس النواب بسبب أي اعتبارات "أخلاقية" تتعلق بالإبادة الإسرائيلية في غزة، بل لخلافات داخلية بين فريق ترامب وخصومه حول مسألة الهجرة، إلا أن هناك من يرى أن الهجوم الإيراني عاد ليوحّد الأولويات، حيث شكّل تحدياً غير مسبوق لقوة الردع والهيمنة الأميركية في المنطقة، ووجّه كذلك رسالة تهديد لإسرائيل بتغير قواعد اللعبة، ما أعاد البوصلة في الكونغرس لدعم الحليف الأوثق للولايات المتحدة، والأكثر "دلالاً" منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

آلة الحرب تجد مموليها

وصوّت مجلس النواب الأميركي، أول من أمس، لصالح خطّة مساعدات واسعة لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان، في خطوة كانت مرتقبة إلى حدّ بعيد، ولكن تأخرت أشهراً، وأظهرت السبت، رغم عناد المتشدّدين الجمهوريين، أن الدعم الأميركي لإسرائيل ثابت بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري بشكل عام، فيما كان أقلّ ثباتاً بالنسبة إلى أوكرانيا.

وصوّت مجلس النواب على الحزمة الضخمة البالغة قيمتها الإجمالية 95 مليار دولار، والتي عادت السبت في إطار مشاريع قوانين إلى مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون بأغلبية بسيطة. ومن المتوقع أن يمرّر "الشيوخ" الحزمة يوم غدٍ الثلاثاء، بحسب الإعلام الأميركي، لترسل إلى الرئيس بايدن، ليوقعها وتدخل حيّز التنفيذ. ويلحظ النص المتعلّق بأوكرانيا مساعدات لكييف بـ61 مليار دولار لدعمها في التصدي للغزو الروسي. أما النص المتعلّق بإسرائيل، فيلحظ مساعدات عسكرية بقيمة 17 مليار دولار، بالإضافة إلى 9 مليارات دولار كمساعدات إنسانية لقطاع غزة ومناطق نزاع أخرى حول العالم. وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، فإن القسمة الأخيرة سيكون البيت الأبيض صاحب الكلمة الفصل فيها، لكنها توقعت نقلاً عن محلّلين أن تحظى غزة بملياري دولار. كذلك صوّت النواب على مشروع قانون يتضمن تهديداً بحظر تطبيق "تيك توك" في الولايات المتحدة، وعلى نصّ يهدف إلى احتواء الصين على الصعيد العسكري عبر الاستثمار في الغواصات وتقديم مساعدة إلى تايوان.

وحضّ بايدن أمس، مجلس الشيوخ على التصديق على حزمة المساعدات سريعاً، معتبراً أنها توجّه "رسالة واضحة بشأن قوة القيادة الأميركية حول العالم". وسارع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي، إلى الترحيب بالخطوة التي قال إنها "ستنقذ آلاف الأرواح"، وسط ترحيب أوروبي أيضاً.

أما في دولة الاحتلال، فذهب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، إلى الاحتفال بالخطوة على اعتبارها "بمثابة دفاع عن الحضارة الغربية". واعتبر وزير خارجيته، يسرائيل كاتس، أن التصويت يوجه "رسالة قوية إلى أعدائنا"، وشكر وزير الأمن يوآف غالانت واشنطن، قائلاً إن إسرائيل "تقاتل على 7 جبهات". من جهتها، رأت الرئاسة الفلسطينية في ما أقره مجلس النواب الأميركي "عدواناً على الشعب الفلسطيني"، بحسب المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، نبيل أبو ردينة، الذي قال إن الأموال أرقام "ستُترجَم على شكل آلاف الضحايا الفلسطينيين في قطاع غزة"، واصفاً ذلك بأنه "تصعيد خطير".

ويأتي الاعتراض الفلسطيني رغم أن التصويت على المساعدات الإسرائيلية، لم يكن مفاجئاً، ومتوقعاً إلى حدّ بعيد، فيما كان وحده تمويل الحرب في أوكرانيا في صلب التجاذب بين الديمقراطيين والجمهوريين. رغم ذلك، فقد كشف التصويت على حزمة إسرائيل (كل حزمة مساعدات صُوِّت عليها السبت على حدة ضمن مشروع قانون)، الذي أضيف إليه أيضاً منع التمويل الأميركي لما يتوجب على واشنطن لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، ثبات الكتلة التقدمية الصغيرة داخل مجلس النواب على موقعها المندّد والضاغط لوقف الحرب على قطاع غزة، وكشف أن الكونغرس الأميركي في وادٍ، والرأي العام الأميركي في وادٍ آخر، عندما يتعلق الأمر بتمويل آلة الحرب الإسرائيلية. وعلى العموم، فقد كانت مصانع التسليح الأميركية على أحرّ من الجمر، بانتظار إطلاق مجلس النواب صفارة التصويت، فيما مُني الرأي العام المناهض لحرب غزة، والداعي إلى وقف تمويل جرائم إسرائيل من جيوب دافعي الضرائب الأميركيين، وهو يشكّل حوالى نصف الرأي العام الأميركي بحسب معظم استطلاعات الرأي، بخيبة كبيرة.

وفي بيان لهم بعد التصويت، قال عدد من النواب الأميركيين التقدميين، بمن فيهم ألكسندريا أوكاسيو كورتيز وجواكين كاسترو وبراميلا جايابال، في بيان: "نؤمن بقوة بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وقد ضممنا أصواتنا سابقاً إلى زملائنا لتأكيد التزامنا المشترك... ولكن في ظلّ المعاناة غير المسبوقة التي يعيشها شعب غزة، نؤمن بأن هناك ضرورة أخلاقية لإيجاد مسار آخر". كذلك تعهد السيناتور الأميركي بيرني ساندرز، أول من أمس، ببذل كل ما في وسعه للتأكد من أن الولايات المتحدة لن ترسل مزيداً من المساعدات العسكرية لـ"الآلة الحربية" نتنياهو، وذلك في منشور له على منصة "إكس". وقال ساندرز: "لن تسمح بتجويع أطفال غزة".

أغلبية كبيرة لحزمة مساعدات إسرائيل

ومرّت حزمة المساعدات لإسرائيل، بأغلبية كبيرة، إذ صوّت 366 نائباً أميركياً لصالحها، مقابل رفض 58 نائباً فقط. أما حزمة أوكرانيا، فكانت المعارضة لها أوسع، إذ صوّت 311 نائباً بالموافقة عليها، ورفضها 112 آخرون. وقد يكلّف هذا التصويت رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون منصبه. فقد تعهّدت حفنة من النواب المحافظين المعارضين بشدّة لمساعدة أوكرانيا، ببذل ما في وسعها لإطاحته عقاباً له على دعمه. وكان سلف جونسون، كيفن ماكارثي، قد خسر منصبه العام الماضي، بعدما اتّهمه نواب مناصرون لترامب في حزبه بإبرام "صفقة سرّية" مع الديمقراطيين بشأن أوكرانيا. وتعهّد زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر، السبت، بأن الشيوخ "سيتحرّكون بسرعة" بعد التصويت في المجلس لتمرير الحزمة.

وتنقسم المساعدات الأميركية لإسرائيل وفق هذه الحزمة، إلى 5.2 ملايين دولار، لتعزيز نظام الدفاعات الجوية الإسرائيلي المعروف بالقبة الحديدية، و3.5 مليارات دولار لشراء أنظمة أسلحة متطورة، ومليار دولار لتعزيز قطاع إنتاج الأسلحة الإسرائيلي، و4.4 مليارات دولار لمعدات وخدمات دفاعية أخرى لإسرائيل، و2.4 مليار دولار للعمليات الأميركية في المنطقة خلال حرب غزة. وبالعادة، تتلقى إسرائيل سنوياً حزمة مساعدات من الولايات المتحدة، بحدود 3.3 مليارات دولار، وتعدّ الحزمة الجديدة "طارئة" بسبب الحرب. وقبلها، مرّر بايدن حزمات مساعدات لإسرائيل منذ 7 أكتوبر الماضي، مستخدماً صلاحياته التنفيذية، من دون موافقة الكونغرس، علماً أن ما مُرّر لإسرائيل منذ بدء الحرب، عبر موافقة الكونغرس، وأصبح علنياً، هو بحدود 250 مليون دولار منذ 7 أكتوبر.

يذكر أن مشروع القانون يقدم أيضاً 8.12 مليارات دولار "لمواجهة الصين الشيوعية وضمان وجود ردع قوي في المنطقة" في ظل استعراض الصين قوتها العسكرية. كما يخصص مبلغاً في حدود 3.3 مليارات دولار لتطوير البنية التحتية للغواصات، بالإضافة إلى تمويل عسكري خارجي بقيمة ملياري دولار لتايوان وغيرها من الحلفاء الرئيسيين في المنطقة لدعمهم "في مواجهة العدوان الصيني".