العدد 1610 /24-4-2024

تصاعد التوتر في جامعات أميركية عدة بين الطلاب المتضامنين مع فلسطين، على خلفية العدوان الإسرائيلي المتواصل في غزة، وإدارات المؤسسات الأكاديمية، مع فض تجمعات وتوقيف محتجين وحضور الدروس عبر الإنترنت.

واختبرت التظاهرات في الجامعات الأميركية الخط الفاصل بين حرية التعبير والشمولية، كما أثارت الاحتكاكات، ويطالب الطلاب المؤيدون للفلسطينيين جامعاتهم بإدانة العدوان على غزة الذي تجاوز اليوم المائتين على التوالي، وأوقع أكثر من 34 ألف شهيد فلسطيني، كما يطالبون الجامعات بسحب استثماراتها من الشركات التي تبيع الأسلحة لإسرائيل. في الوقت نفسه، يقول بعض الطلاب اليهود إن الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل جعلتهم يشعرون بعدم الأمان.

وبدأت الاحتجاجات الأسبوع الماضي، مع إقامة "مخيم تضامن مع غزة" في حرم جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك، قبل أن تتسع لتشمل جامعات أخرى، مثل جامعة نيويورك، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجامعة ييل وغيرها.

وقوبلت النشاطات الداعمة للفلسطينيين في جامعات عدة، خصوصاً المرموقة منها، مثل هارفارد وكولومبيا، بتحذيرات من تنامي "معاداة السامية"، ولا سيما أنّ العديد من الجامعات الكبرى في البلاد تعتمد اعتماداً رئيسياً على دعم مالي من منظمات ومموّلين من اليهود.

نظم طلاب جامعات ييل ونيويورك وكولومبيا الاحتجاجات الأكبر

واعتقلت الشرطة عشرات المحتجين المؤيدين للفلسطينيين في جامعتي ييل في كونيتيكت ونيويورك في مانهاتن، الاثنين، وجاءت الاعتقالات بعد ساعات من إلغاء جامعة كولومبيا حضور الطلاب لتهدئة التوتر في حرمها الجامعي بنيويورك، بعدما سمحت للشرطة الأسبوع الماضي بإخلاء مخيم نصبه طلاب احتجاجاً على الحرب في غزة.

وأظهرت مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي محتجين أوقفوا حركة المرور في حرم جامعة ييل في نيو هيفن بكونيتيكت، مطالبين الجامعة بسحب استثماراتها من الشركات المصنعة للأسلحة. وذكر موقع ييل ديلي نيوز الإخباري أن الشرطة اعتقلت أكثر من 45 محتجاً.

وقالت شرطة نيو هيفن، الاثنين، إنه بعد موجة الاعتقالات هذه، عادت مجموعة من حوالي 200 متظاهر لإغلاق تقاطع. وطُلب من المتظاهرين المغادرة، ثم طلب منظمو الاحتجاج من المجموعة التفرق، وعاد معظمهم إلى الحرم الجامعي لمواصلة احتجاجهم.

وأكد رئيس جامعة ييل، بيتر سالوفي، الأحد، أن مسؤولي الجامعة تحدثوا إلى الطلاب المتظاهرين مرات عدة حول السياسات والإرشادات، بما في ذلك المتعلقة بحرية التعبير والسماح بالوصول إلى أروقة الحرم الجامعي. وقال في بيان إن "إنشاء المخيمات، وتحدي توجيهات مسؤولي الجامعة، والبقاء في الحرم الجامعي بعد الأوقات المسموح بها، وغيرها من الأفعال التي تنتهك سياسات الجامعة وإرشاداتها تشكل مخاطر على السلامة، وتعيق عمل جامعتنا".

وذكر مسؤولو الجامعة أنهم تحدثوا مع المتظاهرين لعدة ساعات، وأمهلوهم حتى نهاية عطلة نهاية الأسبوع للمغادرة، وقالوا إنهم حذروا المتظاهرين مرة أخرى صباح الاثنين، وأخبروهم أنهم قد يواجهون الاعتقال والتأديب، بما في ذلك الإيقاف، قبل تدخل الشرطة.

وقال المتحدث باسم الشرطة، إن مجموعة كبيرة من المتظاهرين تجمعوا مرة أخرى بعد الاعتقالات التي جرت يوم الاثنين في جامعة ييل، وأغلقوا شارعاً بالقرب من الحرم الجامعي، في حين لم ترد أنباء عن وقوع أي أعمال عنف أو إصابات.

والأسبوع الماضي، اتخذت جامعة جنوب كاليفورنيا خطوة غير معتادة بإلغاء خطاب التخرج الذي كان مقرراً أن يلقيه أكثر الطلاب تفوقاً، وهي طالبة تدعم الفلسطينيين، وأشارت الجامعة إلى مخاوف أمنية بشأن القرار الذي أشادت به بعض الجماعات المؤيدة لإسرائيل، والذي انتقده المدافعون عن حرية التعبير.

وفي نيويورك، تحرّكت الشرطة لتفريق حشد جامعة نيويورك بعد وقت قصير من حلول الظلام، إذ تحدّى مئات المتظاهرين لساعات تحذيرات الجامعة بأنهم سيواجهون عواقب إذا لم يخلوا الساحة التي تجمّعوا فيها. وأظهر مقطع مصور نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي الشرطة وهي تزيل الخيام، وسط اشتباك المتظاهرين مع الشرطة.

وقال متحدث باسم شرطة نيويورك إن الاعتقالات تمت بعدما طلبت الجامعة من الشرطة فرض مخالفات الاعتداء على ممتلكات الغير، مؤكداً اعتقال أعضاء من هيئة التدريس. لكن العدد الإجمالي للاعتقالات ظل مجهولاً.

قوبلت نشاطات الطلاب الداعمة للفلسطينيين بتضييقات واعتقالات

كان طالب الدراسات العليا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، براهلاد إينغار، من بين حوالي عشرين طالباً أقاموا مخيماً يضم أكثر من 12 خيمة في الحرم الجامعي مساء الأحد، للدعوة إلى وقف إطلاق النار والاحتجاج على ما وصفوه بـ"تواطؤ معهد ماساتشوستس في الإبادة الجماعية الجارية في غزة".

وقال إينغار لـ"أسوشييتد برس": "معهد ماساتشوستس لم يدع حتى إلى وقف إطلاق النار، وهذا مطلب لدينا بالتأكيد. جامعة كامبريدج كانت ترسل قواعد مربكة بشأن الاحتجاجات، ونحن هنا لنثبت أننا نحتفظ بالحق في الاحتجاج. إنه جزء أساسي من العيش في الحرم الجامعي".

وظل التوتر مرتفعاً، الاثنين، في حرم جامعة كولومبيا، إذ تم إغلاق بوابات الحرم الجامعي أمام أي شخص ليس لديه بطاقة هوية مدرسية، واندلعت احتجاجات داخل الحرم الجامعي وخارجه. وقادت امرأة داخل بوابات الحرم الجامعي نحو عشرين متظاهراً إلى الشارع بالخارج وهي تهتف: "من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر". في حين احتجت مجموعة صغيرة من المؤيدين لإسرائيل في مكان قريب.

وفي خطوة استثنائية، استدعت رئيس جامعة كولومبيا نعمت مينوش شفيق، الأسبوع الماضي، شرطة نيويورك لإخلاء خيام أقامها محتجون في الحديقة الرئيسية، بعد أن أمضى الطلاب بضع ليالٍ نائمين في العراء، وانضم إليهم أكثر من 100 من أعضاء هيئة التدريس. واعتقلت الشرطة أكثر من 100 طالب من جامعة كولومبيا وكلية بارنارد المجاورة، كما تم إيقاف عشرات الطلاب المشاركين في الاحتجاجات عن الدراسة مؤقتاً.

وقالت شفيق، التي أدلت بشهادة خلال الأسبوع الماضي أمام لجنة في مجلس النواب الأميركي دافعت فيها عن رد الجامعة على معاداة السامية المزعومة: "تم استغلال هذا التوتر وتضخيمه من أفراد لا ينتمون إلى جامعة كولومبيا جاؤوا إلى الحرم الجامعي لتحقيق قائمة أولوياتهم... نريد إعادة الأمور إلى نصابها".

والاثنين، قال المتحدث باسم الشرطة طارق شابارد، في مؤتمر صحافي أمام الحرم الجامعي: "تلقينا تقارير تفيد بأن طلاباً كانوا يسيرون في الحرم الجامعي تم انتزاع أعلام إسرائيل من أيديهم. لكننا لم نتلقَّ أي تقارير عن إلحاق أي أذى بدني بأي طالب".

وفي حين طالب أعضاء في مجلسي النواب والشيوخ باستقالة شفيق في رسائل وبيانات، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن، الأحد، أن إدارته تضع كامل قوة الحكومة الاتحادية في خدمة حماية الجالية اليهودية. وأضاف أن "معاداة السامية الصارخة تستحق الشجب، ولا مكان لها على الإطلاق في الحرم الجامعي، أو أي مكان". بدوره، قال رئيس بلدية نيويورك إريك آدامز إنه "يشعر بالفزع والاشمئزاز من معاداة السامية التي يتفوهون بها في حرم جامعة كولومبيا وحولها"، لكنه شدد على أن "جامعة كولومبيا هي مؤسسة تعليمية خاصة مقامة على أراضٍ خاصة، ما يعني أن شرطة نيويورك لا يمكنها الحضورد ضمن حرمها ما لم يتمّ طلب ذلك من مسؤولي الجامعة".

وانتقد منظمو تحركات الطلاب من مخيم جامعة كولومبيا تصريحات بايدن وآدامز وادعاءاتهما حول معاداة السامية، قائلين إن بعض المنظمين يهود. وقالت ليا سالم، وهي طالبة في كلية بارنارد، إنها كانت واحدة من 15 طالباً يهودياً اعتُقلوا في حديقة جامعة كولومبيا الأسبوع الماضي، مضيفة أن "انتقاد إسرائيل ليس معاداة للسامية". وكانت ميمي إلياس من بين الطلاب الذين سبق توقيفهم، وقالت لوكالة "فرانس برس": "سنبقى في مكاننا إلى أن يتحدثوا إلينا ويستمعوا لمطالبنا. لا نريد معاداة السامية أو الإسلاموفوبيا. نحن هنا من أجل أن يكون الجميع أحراراً".

واعتبر أستاذ الدراسات الكلاسيكية في جامعة كولومبيا، جوزيف هاولي، أن الجامعة استخدمت "الوسيلة الخاطئة" من خلال استدعاء الشرطة إلى حرمها، وهو ما ساهم في "جذب عناصر أكثر تطرفاً ليسوا جزءاً من احتجاجات الطلاب".