العدد 1610 /24-4-2024

لا يزال مصير مئات المفقودين في قطاع غزة مجهولاً، وتتمسك أسرهم بأمل أن يكونوا من ضمن من اعتقلهم جيش الاحتلال أثناء عملياته البرية في محافظات القطاع الأربع التي اجتاحها، وهو يواصل التهديد باجتياح مدينة رفح في أقصى جنوبي القطاع، والتي تتعرض للغارات والقصف بشكل شبه يومي.

وأكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الأربعاء الماضي، أن قوات الاحتلال اعتقلت أكثر من 5 آلاف فلسطيني من أنحاء القطاع منذ بداية العدوان الإسرائيلي، موضحاً أن الإحصاء ليس دقيقاً أو شاملاً، ومشدداً على أن هؤلاء الأشخاص يتعرضون لأبشع أنواع الإجراءات الانتقامية منذ اعتقالهم بطرق مهينة من الشوارع، أو على الحواجز، أو عبر عمليات مداهمة لمنازلهم، جرى خلالها تجريدهم من ملابسهم والاعتداء عليهم أمام أطفالهم ونسائهم.

وعلم عدد من عائلات قطاع غزة أن أبناءهم الذين سجلوا ضمن قوائم المفقودين يقبعون في السجون الإسرائيلية، وذلك من خلال معلومات ورسائل وصلتهم من عائلات أسرى الضفة الغربية الذين أبلغوا عائلاتهم بأسماء معتقلين من غزة خلال الزيارات الأسبوعية لهم في السجون. يأتي ذلك في ظل فقدان التواصل بين المعتقلين الغزيين والجهات والمنظمات التي تُعنى بحقوق الأسرى الفلسطينيين منذ بداية العدان الإسرائيلي.

في مارس/آذار الماضي، وصلت إلى عائلة الفلسطيني محمد ماضي (35 سنة) رسالة تفيد بأنه معتقل في سجن إسرائيلي داخل الخط الأخضر، وأنه تعرّض للتعذيب خلال اعتقاله، لكنه طلب إبلاغ أسرته التي نزحت من مدينة غزة إلى جنوب القطاع بأنه على قيد الحياة. أوصلت عائلة أحد أسرى الضفة رسالة إلى زوجته إسلام، مفادها "أنا بخير تقلقيش. ديري بالك على أمي وأختي، وخليكي صابرة. إن شاء الله الفرج قريب". تقول إسلام لـ"العربي الجديد": "كانت اللحظة التي وصلت فيها الرسالة كأنها جرعة مياه أطفأت النار المشتعلة في قلبي، فزوجي ظل في مدينة غزة رفقة شقيقه لحماية المنزل مثل عدد آخر من سكان الحي، وطلب مني النزوح مع والدته وشقيقته جنوباً، لكن جرت اعتقالات عديدة في المنطقة، وكنت أترقب أي أخبار عن مصيره المجهول منذ نحو شهرين حتى وصول الخبر".

تضيف: "أهل الخير أرسلوا الرسالة من مدينة سلفيت في الضفة الغربية، وطلبوا عدم الكشف عن أسمائهم حتى لا يمنعهم الاحتلال الإسرائيلي من زيارة نجلهم مستقبلاً، وقد وصلوا إلينا بعد نحو أسبوعين من محاولة معرفة مكاننا بسبب عدم توفر هواتف مع باقي أفراد العائلة، فضلاً عن التخوفات الأمنية، وبعد محاولات عدة استطاعوا إبلاغي بمصير زوجي بينما كنت في مدرسة إيواء بمدينة رفح".

تتابع: "حين وصلتني الرسائل كنت أتعامل معها بحذر في البداية، لكن عندما أخبروني أنه يطلب مني تنفيذ الوعد الذي قطعته له، بدأت الاطمئنان. أحمل رسالته في قلبي، فلدينا طفلان، وكنا نعيش حالة قلق متواصلة، ونلاحق الأخبار، رغم أنني أتمكن من الحصول على الإنترنت بصعوبة، لكني كنت أواصل متابعة قوائم أسماء الشهداء والمعتقلين والمفرج عنهم من المعتقلين، وأتمنى الإفراج عن زوجي قريباً لأنه معيلنا الوحيد، وهو عامل في السوق، ولا دخل له بالسياسة".

كانت عائلة عبد الرحمن الأسطل تترقب هي الأخرى سجلات المفرج عنهم من معتقلي قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم، والتي تُنشر عبر صفحات "فيسبوك" ومجموعات "واتساب"، لكن بعد أكثر من شهرين من الانتظار والترقب لم تجد نجلها البالغ 28 سنة، حتى تلقت العائلة في بداية إبريل/نيسان، خبراً من أسرة معتقل من مدينة الخليل، تفيد بأن نجلهم على قيد الحياة، ويريد إبلاغ عائلته أنه وأبناء جيرانهم الاثنين بخير.

استقبل محمد الأسطل شقيق الأسير عبد الرحمن الخبر عبر اتصال من أحد أقاربه الذين يعيشون في الضفة الغربية، وشعرت العائلة كلها بالفرح، حتى أن والدته التي تقيم في إحدى الخيام على الحدود المصرية أطلقت الزغاريد حين عرفت أن ابنها حي، وحضر الناس ليباركوا على سلامته بعد أن كانت العائلة تعتقد على مدار شهرين أنه من بين الشهداء، وأن جثمانه ضمن الجثامين المفقودة.

يقول محمد الأسطل لـ"العربي الجديد": "كانت لحظة تلقّي الخبر صعبة، لأننا نعيش وسط عائلات شهداء ومفقودين، لكن حين وصلني الخبر لم أتمالك نفسي من الفرح، وجريت مسرعاً لإخبار والدتي أن عبد الرحمن حي، وأنه معتقل في السجون، والأصعب أن العديد من ذوي الشهداء والمفقودين جاؤوا لتهنئتنا، وعندما استسمحتهم أخبروني أنهم لا يعتبون علي، وأنني محق في إظهار الفرحة".

يضيف الأسطل: "رغم الجغرافيا المنفصلة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، لكننا توحّدنا في نفس الهمّ، وقد طلبت عائلات الأسرى التي أوصلت الرسالة السرية التامة، وعدم الإفصاح عن اسم من أخبرنا حتى لا ينكل بهم جيش الاحتلال، كما وصلني من صديق في الخليل، أن الاحتلال يتعامل بعنصرية مع معتقلي غزة، ويقوم بتعذيبهم، ويحاول فصلهم عن المساجين الآخرين".

ويؤكد نادي الأسير الفلسطيني أن عدد الأسرى داخل سجون الاحتلال ارتفع مع ارتفاع وتيرة الاعتقالات في قطاع غزة وفي مدن الضفة الغربية، وقيام الحواجز الإسرائيلية باعتقال المئات من أهالي قطاع غزة المتواجدين في الضفة الغربية، خصوصاً العمال الذين حرموا من العودة إلى القطاع منذ بداية العدوان، والذين تم إلغاء تصاريح عملهم داخل الخط الأخضر ومدن الضفة الغربية، ما جعلهم عرضة للاعتقال.

ويذكر نادي الأسير أن هناك أكثر من 9500 أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية، من بينهم أكثر من 200 طفل، ونحو 80 امرأة، و3660 معتقلاً إدارياً، وشدد في بيان صدر في 17 إبريل الماضي، على أن هذه الإحصائيات "لا تشمل المعتقلين من قطاع غزة؛ لأنهم رهن الإخفاء".

وتتفاقم المصاعب بالنسبة لأسر المعتقلين والمفقودين، كونهم يعيشون حالة من التشتت والنزوح المتكرر، ولا يوجد أي استقرار اجتماعي كحال جميع الغزيين، لكن تتواصل تطلعاتهم وآمالهم بالعثور على ذويهم، وانتظار أي أخبار عنهم، في حين قرر البعض الاستسلام، واحتساب أن ذويهم ضمن الشهداء، في ظل الإعلان المتواصل عن العثور على جثامين مجهولة الهوية.

من بين هؤلاء أسرة محمد النجار (29 سنة) والتي كانت تعتقد أنه استشهد في نوفمبر الماضي، وظلت العائلة تتعايش مع هذا، حتى وصلهم أنه معتقل داخل السجون الإسرائيلية، وأنه تعرّض للتعذيب، وكان يتلقى علاجاً داخل السجون.

انقطع تواصل النجار مع أسرته في الشهر الثاني من العدوان بسبب عدم وجود وسيلة تواصل، وقد اعتقل خلال محاولته التنقل في مدينة غزة، في حين قامت أسرته بالنزوح إلى وسط القطاع، وصولاً إلى مدينة خانيونس، ثم إلى مدينة رفح. يقول والده يوسف النجار (60 سنة) إنه تلقى الخبر من أحد الأقارب الذي يعمل في شرطة مدينة رام الله، والذي كان يزور ذويه من الأسرى، واستطاع جمع معلومات تؤكد أن نجله معتقل، ثم حمل رسالة إليهم.

يضيف "وصلتني رسالة تؤكد أن ابني حي، وأنه معتقل، وهو لديه إصبع مبتور في قدمه اليسرى، ما جعلني أتأكد من صدق الرواية، ونتيجة للتعذيب بُتر إصبع آخر من يده، وهو معتقل لأنه يحمل اسماً يتشابه مع أسماء مطلوبين من الاحتلال، وقد أحيا هذا الخبر داخلي آمالاً كبيرة، وآمل أن يفرج عنه قريباً، وأن أزوجه وأفرح به قبل أن يأتي أجلي".

ولم تكن تلك المرة الأولى التي تتلقى فيها أسر الأسرى الغزيين رسائل من عائلات أسرى من الضفة الغربية، إذ حرم عدد كبير من الغزيين خلال السنوات الماضية من زيارة ذويهم الأسرى، خصوصاً الذين تعتبرهم حكومة الاحتلال من المحسوبين على فصائل المقاومة الفلسطينية، فضلاً عن أصحاب المحكوميات العالية.

وكانت تجرى خلال السنوات الماضية مساومات للسماح لعدد من الأسرى بالزيارة، مع فرض قيود على الوقت، والتفتيش المشدد، وفي الحالات التي لا تسمح فيها سلطات الاحتلال بالزيارة، كانت تقوم عائلات الأسرى من الضفة الغربية بنقل رسائل الاطمئنان، خصوصاً لمن حُرموا من الاتصالات الهاتفية التي كانت ترعاها اللجنة الدولية للصليب الأحمر.