العدد 1419 / 1-7-2020
أيمن حجازي

المشهد اللبناني لا يبدو مبعثراً في بنيته الرسمية وحسب ، بل إن هذا التبعثر ينتشر في كامل بناه السياسية الشعبية وغير الشعبية . في حين تبدو البنية الإجتماعية على شيء من التماسك والتضامن اللذين يمكنان المجتمع اللبناني من مواجهة هذا الكم الهائل من الضغوط الإقتصادية والمالية الكبيرة . وحتى هذا التماسك الإجتماعي النسبي فإنه يتم وفق قواعد طائفية ومذهبية وزعامية تمكن الرعايا والجماهير الأبية من تأمين ولاءاتها المتنوعة التي تجعل من كل زعيم رمزا للطهارة والعفة والأمانة وتجعل من خصومه رموزاً للفساد والإفساد والنهب والسرقة والمحسوبية, ما أدى الى خراب الدولة اللبنانية العلية .

وإذا أردنا تفحص ملامح هذه البعثرة المشار اليها فإننا نراها في الحكومة وفي المعارضة وفي خارطة القوى التي رشحت نفسها كي تكون ثورة منذ ١٧ تشرين الأول الماضي :

- فالحكومة التي تتشكل من قوى حليفة كانت منضوية في إطار معسكر الثامن من أذار ، يكاد عمودها الفقري ممثلا بحزب الله أن يرهق وان ينوء بحمل الحفاظ على وحدة حلفائه خصوصا بين حركة أمل والتيار الوطني الحر وبين تيار المردة ، وبين الرئيس حسان دياب ووزرائه وبين القوى الممثلة في هذه الحكومة . وقد ظهرت هذه التباينات والإختلافات حيال العديد من القضايا والإستحقاقات التي توجبت في الآونة الأخيرة . وقد ظهر التباين الكبير حيال الموقف من حاكم مصرف لبنان بينطريقة الرئيس نبيه بري في مقاربة هذا الموضوع وبين مقاربة حزب الله والتيار الوطني الحر ، حين مال رئيس المجلس النيابي الى عدم الإطاحة بالحاكم تحت أي ظرف من الظروف . وكذلك كان الخلاف حول قرار القاضي محمد مازح الذي استقال من منصبه بعد إستدعائه من قبل مجلس القضاء الأعلى على خلفية قراره القاضي منع وسائل الإعلام اللبنانية من إستصراح السفيرة الأميركية في بيروت . أما الموقف السلبي الذي اتخذه رئيس تيار المردة من حوار بعبدا فإنه كان مميزا في إبرازه لحجم الخلافات القائمة داخل التحالف الحكومي القائم . وحتى إستقالة المدير العام لوزارة المالية آلان بيفاني فإن البعض يضعها في إطار التجاذب بين وزير المالية المنتمي الى حركة أمل والمدير العام المستقيل المحسوب على التيار الوطني الحر .

أما قوى المعارضة الرسمية أو النيابية المتمثلة بتيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي وحزب الكتائب ، فإن حالتها الوحدوية تدمي القلب . وتاريخها السابق المنتمي الى معسكر الرابع عشر من أذار مهدد بالإندثار تحت وطأة تصاعد التباينات والخلافات بين أطرافها . فتيار المستقبل لم يتمكن من تجاوز التصدع القائم مع قيادة القوات اللبنانية وسمير جعجع الذي تبادل تقاذف التغريدات الساخنة على تويتير مع الرئيس سعد الحريري وتعود هذه الخلافات في جزء منها الى مرحلة إحتجاز الرئيس الحريري في العاصمة السعودية في خريف العام ٢٠١٧ . ويقيم الرئيس الحريري والزعيم وليد جنبلاط علاقات جانبية مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري ما قد يعقد علاقتهما مع كل قدامى الرابع عشر من أذار . وقد يعقد هذا الأمر في المقابل علاقات بري مع باقي قوى الثامن من أذار . أما حزب الكتائب فإنه يعاني من تردٍ متصاعد مع كل قوى الرابع عشر من أذار المتهمين عنده بالتخاذل وبإبرام تسويات متنوعة مع الفريق الآخر من تحت الطاولة ومن فوقها .

- أما "خلية" عمل الدكتور فارس سعيد - رضوان السيد المتبقية من معسكر ١٤ آذار فإنها قد أصدرت حكماً غير معلن بالتبرؤ من القوى الكبرى في ذلك المعسكر المتهمين بالتنازل والخيانة والإستسلام والمراوغة. وتصر على سلوك مسلك سياسي مغايرا يهدف الى إعادة عقارب الساعة الى عام ٢٠٠٥ و ٢٠٠٦ .

وهكذا يعلو عنوان البعثرة والتشرذم على كل العناوين في الكيان اللبناني المميز ، اين منه شعار الرئيس الراحل صائب سلام الذي رفعه قبل نصف قرن من الزمن " لبنان واحد لا لبنانان.