العدد 1376 / 4-9-2019
الدكتور وائل نجم

شهدت أروقة القصر الجمهوري في بعبدا يوم الاثنين الماضي (2/9/2019) مؤتمراً حوارياً بحث الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان وسبل مواجهة وحل هذه الأزمة، وشارك في الحوار إضافة إلى رئيس الجمهورية الذي ترأسه، رئيس الحكومة، ورئيس المجلس النيابي، والوزراء المعنيين، ورؤساء الكتل النيابية وبعض الأحزاب، ومختصون بالشأن الاقتصادي. وقد قدّم كل مشارك أو بعضهم قراءته للأزمة ورؤيته للحل، وقدّم أيضاً رئيس الجمهورية رؤيته التي تشكّلت من قرابة الخمسين بنداً . وقد استهل الرئيس الحوار بالتنوية إلى ضرورة العمل الجاد والجدّي من أجل إنهاء الأزمة والخروج منها، فيما أشارت مصادر معنيّة شاركت في الحوار أن التوجّه إلى فرض ضرائب جديدة، أو زيادة الضريبة على القيمة المضافة (TVA) غير وارد في موازنة العام 2020، وبالتالي في الإصلاح الاقتصادي، ولذلك خلص الحوار إلى تشكيل لجنة طوارىء برئاسة رئيس الحكومة، لاستكمال البحث والوصول إلى خلاصات ونتائج، وبالتالي الشروع بطرح الحلول ومواجهة الأزمة، وقد أعطيت اللجنة مهلة لمدة ستة أشهر.

في لبنان مثل يقول : اللجان مقابر المشاريع، ويصح اليوم القول : اللجان مقابر الحلول. فماذا يعني أن تحال مسألة بهذه الخطورة التي يتحدث عنها الجميع إلى لجنة فرعية طارئة تبحث سبل المواجهة والتصدّي للأزمة، في حيث أن المفروض أن تكون الحكومة مجتمعة عبارة عن حكومة طوارىء تتصدّى لهذا الخطر المحدق والقادم باعتراف الجميع، لكن للأسف الحكومة غائبة، أو بالأخرى مغيّبة. أمّا لماذا فذاك شأن وبحث آخر.

إن الخلل والخطأ الأساسي الذي تنشأ وتنبني عليه الأخطاء الأخرى، هو في تغييب الحكومة وتهميشها. فالمعروف دستورياً أن الدستور أناط بالحكومة سلطة الحكم، فهي المسؤولة أمام المجلس النيابي، وهي التي تمارس السلطات كافة بكل مندرجاتها، وهي التي تتخذ المبادرات وطرح الحلول واتخاذ القرارات وتوصيف الوقائع وكل ما يتصل بالبلد من أكبر مسألة إلى أصغر تفصيل، في حين أنها اليوم غائبة أو مغيّبة عن القيام بدورها وصلاحياتها التي يتم مصادرتها لصالح مواقع أخرى في النظام والدولة، وبعد ذلك يتم البحث عن الحلول للأزمات فإذا بالجميع يجد نفسه أمام الأزمات الجدران المسدودة من جديد. المسألة ببساطة هي في طريقة العمل، وفي عدم احترام الأصول والدستور. ببساطة ما بُني على باطل وخطأ سيكون باطلاً وسيولّد مجموعة كبيرة من الأخطاء التي تحتاج إلى العلاج. ببساطة الأزمة الاقتصادية والقرار السيادي والسياسي في الحرب والسلم، وفي أكبر وأصغر تفصيل هو ملك الحكومة، ويجب أن يكون كذلك، أما ما يحصل اليوم من مصادرة صلاحية الحكومة في الملف الاقتصادي من خلال الحوار الفارغ المضمون كما ظهر من خلال إحالة المسألة برمتها إلى لجنة طوارىء؛ أو من خلال مصادرة صلاحية الحكومة في الملف الأمني من خلال رسم الخطوط الحمراء وإزالتها، أو تحديد ساعة الصفر للحروب، أو تقرير مصير البلد حرباً أو سلماً، أو تعريضه للمخاطر السياسية والاقتصادية وغيرها، كما ظهر في أكثر من محطة، كل ذلك يجعل من الطبيعي أن تتوالد الأزمات، وأن تغيب الحلول، وأن يتم الهروب دائماً من مربع إلى مربع قديكون أكثر صعوبة وخطراً تماماً كألعاب الأطفال الالكترونية.

ببساطة , يمكن القول إن الحوار الاقتصادي في بعبدا ولد ميتاً، ولن يؤتي ثماره المرجوة، فلجنة الطوارىء الطارئة لن تشكّل بديلاً مساعداً ومساهماً عن الحكومة الأصيلة، وكفى لبنان تلاعباً واستهتاراً بمصيره ومستقبل أبنائه فقط ليؤكد لنا البعض أنه الحاكم الفعلي للبنان القوي!

د. وائل نجم