العدد 1596 /10-1-2024


على وقع التصعيد الكبير على حدود لبنان الجنوبية تتكثّف المساعي الدبلوماسية للتوصّل إلى حلٍّ سياسيٍّ لوقف إطلاق النار، فيما يبقى الرهان على دور للموفد الرئاسي الأميركي، عاموس هوكشتاين، في تعبيد الطريق أمام اتفاقٍ يُنهي المواجهات العسكرية ويؤسِّس لمفاوضات جديدة قوامها الحدود البرية على غرار تلك التي قادها "بحريّاً".

وتغصّ الساحة اللبنانية بالموفدين الدبلوماسيين الذين ينقلون إلى المسؤولين رسائل تحذّر من مغبة الدخول في حرب شاملة وتدعو إلى التهدئة، كما تعبّر عن قلقها من تداعيات توسّع رقعة الصراع، الذي تزيد احتمالاته مع دخول المواجهات العسكرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي مرحلة جديدة من حيث نوع الضربات، ومواقعها، ومداها، والأسلحة المستخدمة، والأهداف الاستراتيجية.

هوكشتاين في صدارة المشهد

وفي وقتٍ تتجه فيه الأنظار إلى حراك وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام، جان بيير لاكروا، اليوم الثلاثاء، ووزيرة خارجية ألمانيا، أنالينا بيربوك، التي تصل إلى بيروت مساءً، يحتل هوكشتاين صدارة المشهد في ظلّ أنباءٍ عن اقتراحات في جعبته من شأنها أن تؤسِّس لحلٍّ متكاملٍ يبرز مفعوله أكثر بعد انتهاء الحرب.

ورغم أن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أقفل الباب على أي تفاوض قبل وقف الحرب على غزة، فإنه شدد في المقابل على وجود "فرصة تاريخية للتحرير الكامل لكل شبر من الأراضي اللبنانية بعد انتهاء هذه المعركة"، ما يعيد فتح الملف البري الذي كان هوكشتاين كُلف بالعمل عليه قبل حصول عملية "طوفان الأقصى".

وأعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، في مقابلة له مع قناة "الحرّة" أنّ هوكشتاين سيزور بيروت هذا الأسبوع، (في زيارة ثانية له منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول)، مشيراً إلى أننا "نعمل على حلّ دبلوماسي للوضع في الجنوب ربما سيكون تطبيقه مرتبطاً بوقف العدوان على غزة".

وشدد على أن "المطلوب إعادة إحياء اتفاق الهدنة وتطبيقه وإعادة الوضع في الجنوب إلى ما قبل العام 1967، وإعادة مزارع شبعا التي كانت تحت السيادة اللبنانية قبل البدء باحتلالها تدريجياً، والعودة إلى خط الانسحاب السابق بموجب اتفاق الهدنة" مشيراً إلى أنه سيبحث هذه المسائل كلها مع هوكشتاين.

وقال ميقاتي إنّ "التهديدات التي تصل إلينا مفادها أنه يجب انسحاب حزب الله إلى شمال الليطاني، في الوقت الذي نشدد نحن على أن هذا الأمر جزء من البحث الذي يجب أن يشمل انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي التي تحتلّها ووقف اعتداءاتها على لبنان وخرقها للسيادة اللبنانية".

وفي الإطار، يقول مصدرٌ دبلوماسيٌّ في السفارة الأميركية في بيروت لـ"العربي الجديد" إن "أي موعد لم يُحدد حتى الساعة لزيارة هوكشتاين إلى بيروت، وسنعلن عنه فور الاتفاق عليه. والترتيبات الآن تجري لاستقبال السفيرة الجديدة، ليزا جونسون، التي من المرتقب أن تصل هذا الأسبوع إلى لبنان لتواكب بدورها التطورات".

ويشير المصدر إلى أن "هوكشتاين مُكلَّف رئاسياً بالملف اللبناني الإسرائيلي ويبذل جهوداً لمنع توسع رقعة الاشتباكات والتواصل مع الجانبين للتهدئة، خصوصاً أنه يلمس من خلال محادثاته واتصالاته ولقاءاته أن لبنان وإسرائيل لا يرغبان بالحرب، كذلك سيحمل هوكشتاين معه أجواء لقاءات وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن، الذي وصل إلى تل أبيب مساء أمس".

ويلفت المصدر إلى أن "أولوية هوكشتاين تجنّب التصعيد وتخفيف التوترات ومنع توسّع المواجهة بين حزب الله وإسرائيل واحترام الأطراف للقرارات الدولية، من ضمنها القرار 1701، وبعد انتهاء الحرب يمكن العمل على الملف البري، وإعادة تفعيل الملف البحري للتنقيب عن النفط"، مشيراً إلى أن "هوكشتاين سيثير أيضاً الملف الرئاسي ويشدد على ضرورة انتخاب رئيس بأسرع وقتٍ ممكنٍ وهو أمرٌ يحتاجه لبنان الذي يمرّ بظروف دقيقة وحسّاسة".

شروط نتنياهو

وكان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قال خلال اجتماعه الأخير مع هوكشتاين إن "إسرائيل ملتزمة بإحداث تغيير جوهري على حدودها مع لبنان، حتى يتمكن السكان النازحون من المناطق القريبة من حدود إسرائيل مع لبنان من العودة إلى منازلهم".

وأبلغ نتنياهو هوكشتاين أن "عودة مواطنينا في الشمال والجنوب إلى منازلهم هي جزءٌ من أهداف الحرب وسيتم تحقيقها سياسياً أو عسكرياً".

وترتكز الشروط الإسرائيلية لوقف إطلاق النار على إبعاد قوات "حزب الله" نحو 10 كيلومترات عن الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، بما يسمح بعودة آلاف المستوطنين إلى المستوطنات التي أخليت بفعل المواجهات الدائرة منذ 8 أكتوبر، غداة عملية "طوفان الأقصى"، وهي شروط يؤكد حزب الله أنه لن ينصاع اليها، ولن يبحث في أي حل سياسي قبل وقف العدوان على غزة.

في المقابل، يضغط لبنان الرسمي لوقف إسرائيل تصعيدها واستفزازاتها التي تهدف من خلالها إلى جرّ حزب الله للحرب الشاملة، ويؤكد أنه لا يريد الحرب، ويرى أن الحل لا يمكن أن يكون إلا سياسياً ودبلوماسياً، من خلال التطبيق الكامل للقرار 1701 وانسحاب إسرائيل من كافة الأراضي اللبنانية المحتلة ووقف خروقاتها البرية والبحرية والجوية.

في الإطار، يقول المؤرخ والباحث في قضايا ترسيم الحدود، عصام خليفة لـ"العربي الجديد" إن "الاتفاق البحري الذي تمّ التوصل اليه ينصّ على الانتقال إلى الترسيم البري، وهذه القضية ليست جديدة، وقد تثار بأي وقتٍ، خصوصاً في ظلّ الظروف الراهنة"، مشيراً إلى أن "مشكلة لبنان أنه مكشوف، فلا رئيس للبلاد، ولا حكومة بصلاحياتٍ كاملة، ومجلس النواب شبه مقفل، بينما الشعب يئنّ من الأزمة الاقتصادية الكبرى، وهناك هجرة كبيرة للكفاءات اللبنانية، وكلها عوامل تؤدي إلى قيام تسويات على ظهر لبنان في المنطقة".

ويشير خليفة إلى أن "الحدود مرسّمة بموجب الاتفاقات الدولية، ولا حاجة لمفاوضات بالتالي من أجل تحديدها، بل ما نريده تثبيتها من خلال التمسك بحق لبنان المكرس بالقرارات والاتفاقات الدولية".

ويقول خليفة: "هناك 13 نقطة محتلة من قبل إسرائيل، أي حوالي 700 ألف متر مربع، وعلمت من ضباط في الجيش اللبناني بأنه جرى التوصل إلى اتفاق وحل لست نقاط منها، وتبقى سبع لم يتم الاتفاق بشأنها".

ويلفت المؤرخ اللبناني إلى أن "هناك خلافاً على نقطة الـB1 والتي أوصلتنا إلى كارثة الحدود البحرية، أي التي تقع في منطقة رأس الناقورة، فهي مرسمة دولياً وأقرت بها عصبة الأمم في عام 1923، وأعيد تثبيتها بعد اتفاق خط الهدنة، وهذا خط الحدود البرية المعترف به دولياً، والذي غيرت إسرائيل مكانه".

كذلك، يشير خليفة إلى أن "إسرائيل تضع يدها على اراضٍ لبنانية، ضمنها جبل حرمون، أي مزارع شبعا، والنخيلة وكفرشوبا، وغيرها، وبرأيي من شبه المستحيل أن يتخلّى الإسرائيلي عن مزارع شبعا، علماً أن هناك أحاديث تشير إلى إمكانية نشر قوات دولية فيها، لكن لا نعرف مدى جدية هذا الكلام، من هنا علينا مراقبة مسار الأمور".

وعلى صعيدٍ متصل بالحراك الدولي تجاه لبنان، اجتمع ميقاتي، اليوم الثلاثاء، مع وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام، جان بيار لاكروا، وجرى عرض التطورات في الجنوب والمساعي الجارية لوقف الحرب في غزة.

وفي خلال الاجتماع، كرّر ميقاتي "مطالبة المجتمع الدولي بوقف العدوان الإسرائيلي"، وقال إننا "طلاب استقرار دائم وندعو إلى حلٍّ سلمي دائم، ولكن في المقابل تصل إلينا تحذيرات عبر موفدين دوليين من حرب على لبنان"، مضيفاً: "الموقف الذي أكرره لهؤلاء الموفدين هو: هل أنتم تدعمون فكرة التدمير؟ وهل ما يحصل في غزة أمرٌ مقبولٌ؟".

وكرّر ميقاتي "استعداد لبنان للدخول في مفاوضات لتحقيق عملية استقرار طويلة الأمد في جنوب لبنان وعند الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، والالتزام بالقرارات الدولية وباتفاق الهدنة والقرار1701".

بدوره، دعا لاكروا "كلّ الاطراف إلى التهدئة، وإلى دعم الجيش في جنوب لبنان واستمرار التعاون بينه وبين اليونيفيل بشكل وثيق".

كما أكد لاكروا خلال لقائه برئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري "التزام الأمين العام والأمم المتحدة تجاه لبنان واستمرارها بذل الجهود مع المجتمع الدولي لخفض التصعيد وصولاً إلى وقف دائم لإطلاق النار". وأثار الموفد الأممي تخوّفه من استمرار التصعيد القائم في المنطقة ولبنان.

بدوره، أثنى بري بحسب مكتبه الإعلامي على "الجهود التي تبذلها قوات الطوارئ الدولية في هذه المرحلة وشهادتها على التصعيد الإسرائيلي اليومي، الذي يطاول عمق المناطق السكنية والمدنيين وحتى سيارات الإسعاف والإعلاميين، منتهكة ليس فقط القرار الأممي 1701 وإنما كل قواعد الاشتباك".

وقدّم رئيس البرلمان للموفد الأممي دراسة أعدها المجلس الوطني للبحوث العلمية تتضمّن مسحاً شاملاً للاعتداءات الإسرائيلية وأمكنتها والأضرار الناجمة عنها وعدد الشهداء في صفوف المدنيين والمساحات الزراعية والحرجية التي طاولتها الحرائق من جراء استهدافها بالقنابل الفوسفورية المحرمة دولياً.