العدد 1601 /14-2-2024
بسام غنوم

فيما تبدو الساحة السياسية اللبنانية غارقة في جدال عقيم حول انتخابات رئاسة الجمهورية وحول ملف الصلاحيات الرئاسية، وحقوق الطوائف المهدورة من قبل مجلس الوزراء، وآخر هذه المواقف ما عبر عنه البطريرك الماروني بشارة الراعي بالقول: 'كفى مخالفات للدستور، ومخالفات قاتلة للدولة، من أجل مصالح فردية أو فئوية أو حزبية أو سياسية'، مشددا على أن 'كل هذه المصالح مدانة ومرفوضة، فابدءوا أولا بانتخاب رئيس للجمهورية، لكي تنتظم كل المؤسسات'.

يبدو أن كل هذا الضجيج حول حقوق الطوائف وانتخابات الرئاسة وما إلى ذلك من أمور ليست محل اهتمام فعلي من قبل المعنيين في الشأن اللبناني الداخلي، حيث تتركز الجهود العربية والدولية في هذه الأيام على محاولة تجنيب لبنان معركة مفتوحة مع العدو الإسرائيلي في ضوء تصاعد التهديدات الإسرائيلية بالقيام بعملية عسكرية في رفح التي تؤوي ما يقارب المليون ونصف مليون من أهالي غزة، وقد أخذت الجهود الدولية منحى مختلفا مع قدوم وزير خارجية إيران أمير عبد اللهيان إلى لبنان حيث قال في تصريح له من مطار بيروت أن "أمن لبنان من أمن إيران"، لكنه أكد أن إيران لا ترغب التصعيد في المنطقة، وحذر من استمرار الحرب، وأكد أن حركة «حماس» قادرة على الصمود لمدة طويلة، موضحا أن بلاده تدعم الموقف اللبناني بتطبيق شامل للقرار الدولي ١٧٠١ مثلما يطلب لبنان.

وهذا الموقف فسره المراقبون أنه نتيجة اللقاءات السرية الجارية في سلطنة عمان بين الأميركيين والإيرانيين من أجل التوصل إلى تسوية تمنع انفجار الوضع على الحدود بين لبنان والعدو والإسرائيلي، وتحدثت المعلومات عن أن قناة التواصل ما بين واشنطن وطهران أنتجت تفاهما أوليا ما يزال بحاجة لإقناع الحكومة الإسرائيلية به.

لكن في ظل التهديدات الإسرائيلية بالقيام بعملية برية في رفح بحجة القضاء على قوة كتائب القسام هناك، هل يمكن الوصول إلى تفاهمات بين لبنان وإسرائيل للتهدئة على الحدود، فيما العدو الإسرائيلي يجتاح رفح؟

مع دخول العدوان الإسرائيلي على غزة شهره الخامس، وتكشف حجم الدمار في المناطق التي أخلاها الجيش الإسرائيلي في غزة، تبدو معركة رفح التي يحاول العدو الإسرائيلي التهيئة لها عبر الادعاء أنه يريد تدمير قوة حماس في رفح مقدمة لمجزرة بحق المدنيين في غزة، واستكمالا لمخطط التهجير لأهالي غزة الذي تعمل عليه حكومة نتن ياهو، وقد أكدت تصريحات بن غفير وسموترتيش وغيرهم من المسؤولين الصهاينة أن هدفهم ليس فقط القضاء على حركة حماس بل تهجير الفلسطينيين في غزة، ووضع غزة تحت الإدارة المدنية الإسرائيلية، بل وأكثر من ذلك يريدون توطين عشرات آلاف المستطوتنين في غزة بعد تهجير الفلسطينيين، وطالب بن غفير بتوطين فلسطينيي غزة في سيناء، ومنحهم حق اللجوء في دول مثل كندا وغيرها.

هذا المخطط الصهيوني الذي تسعى إليه حكومة نتن ياهو عبر العملية العسكرية المرتقبة في رفح، يحظى للأسف بقبول لدى بعض الدول العربية التي تكفلت بتمويل تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، ويعمل عليه مع الحكومة المصرية التي تبدي حتى الآن رفضا معلنا لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، لكن الوقائع على الأرض سواء عبر إقامة مخيمات لاستيعاب اللاجئين في سيناء والتي تم الكشف عنها من قبل بعض النشطاء المصريين، والإجراءات التي يقوم بها الجيش المصري تقول غير ذلك.

هذا المخطط الجهنمي الذي يسعى إليه نتن ياهو بغطاء أميركي وعربي رغم كل الضجيج القائم من قبل الإدارة وبعض الدول العربية حول رفض اجتياح رفح من قبل الجيش الإسرائيلي، ردت عليه حركة حماس بالقول "إن أي هجوم لجيش الاحتلال الإسرائيلي على مدينة رفح، يعني نسف مفاوضات التبادل"، وهذا الموقف لحركة حماس موجه أولا للعدو الصهيوني الذي يريد تحرير الأسرى الإسرائيليين بأي ثمن حتى يتخلص نتن ياهو من ضغوط أهالي الأسرى، وثانيا إلى الوسطاء العرب والدوليين الذين عليهم أن يمنعوا مجزرة بشرية بحق المدنيين في رفح.

وغني عن القول إن معركة رفح ستكون معركة مختلفة عن كل ما سبقها من معارك في قطاع غزة لأنها تؤوي ما يقارب المليون ونصف المليون من الغزيين، وبالتالي فإن حركة حماس ومعها باقي فصائل المقاومة ستدافع بقوة وشراسة عن رفح، ولن تسمح بأي حال من الأحوال بوقوع مجزرة بحق أهالي غزة، ولن تقبل بتهجير الفلسطينيين مجددا تحت أي شعار، وهذا يرتب على قوى المقاومة في لبنان والمنطقة تبعات عسكرية وإنسانية من أجل إفشال المخطط الإسرائيلي لتهجير أهالي غزة، ولذلك يبدو مستبعدا الوصول إلى تفاهمات حول ترتيبات أمنية على جانبي الحدود بين لبنان والعدو الإسرائيلي رغم كل ما تروجه الإدارة الأميركية، وإذا تحقق ذلك -لا سمح الله- في ظل العدوان الإسرائيلي المرتقب على رفح سيكون بمثابة الطعن في الظهر لغزة ومقاومتها.

بالخلاصة معركة رفح ستشكل مفترق طرق بالصراع الدائر في غزة، لأنها ستمثل نجاح أو فشل العدوان الإسرائيلي على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023.

بسام غنوم