العدد 1382 / 16-10-2019
الدكتور وائل نجم

ما بين ليلة وضحاها تحوّل لبنان الأخضر إلى ما يشبه الفحمة السوداء جراء الحرائق التي اندلعت في أكثر من منطقة، وفاق عددها المئة والعشرين حريقاً، في وقت كانت درجات الحرارة تلامس الأربعين، فيما الرياح الشرقية الساخنة كانت أيضاً شديدة وأسهمت بشكل أو بآخر في انتقال الحرائق وفي توسّع رقعتها. وهذا قد يكون شيئاً مفهوماً، ويمكن أن يحصل في أي دولة، ولكن الشيء غير المفهوم، والذي لا مبرّر له ولا تفسير هو طريقة التعامل والتعاطي مع هذه الكارثة، هذا إذا سلمنا أولاً أنها طبيعية وليس ليد البشر أية علاقة بها، أو بإشعالها.

بداية لا بدّ من شكر الله وحمده أن العناية والرحمة الإلهية هي التي أنقذت البلد وما بقي من غاباته وأحراجه الخضراء، إذ أنّ هطول المطر بكميات وافية ووافرة مساء يوم الثلاثاء أطفأ الحرائق في أكثر من مكان، وحال دون تمددها إلى أماكن أخرى، وهدّأ من روع الناس الذين هجر قسم منهم المنازل إلى أماكن أكثر أمناً واستقراراً.

ثمّ لا بدّ من السؤال البديهي، هل هذه الحرائق بهذا الكم والكيف طبيعية أم أنها من فعل البشر؟!

الظروف الطبيعية التي كانت قائمة خلال اليومين الأخيرين تساعد على انتشار الحرائق وتمدّدها، وهذا أمر يسلّم الكلّ به. ولكن ما لا يمكن التسليم به أنّ هذا العدد الكبير من الحرائق على تلك البقعة الجغرافية الواسعة هو بفعل الظروف الطبيعية، خاصة وأن أغلب الحرائق اشتعل وانتشر ليلاً، ومن المعروف أن الليل لا يساعد كالنهار على اشتعال الحرائق وتمدّدها، وبالتالي فإن علامة استفهام كبيرة يمكن رسمها على هذا المعطى، ويمكن القول إن الحرائق بفعل فاعل وليس بفعل الظروف الطبيعية التي ساعدت على توسّعها. ويبقى هنا البحث عن هذا الفاعل والمستفيد من هذا العمل الإجرامي بحق لبنان وأهله وطبيعته. وهنا يأتي السؤال الأخر، من هو المستفيد من هذه الحرائق، ومن يقف خلفها.

البعض ذهب باتجاه الاتهام السياسي والاستغلال الطائفي والمذهبي الرخيص، فوضع الحرائق في إطار استهداف شريحة دون غيرها، وهذا شيء بات "مقرفاً" ومقزّزاً في الحياة اليومية اللبنانية، ويأتي في إطار تسييس كل شيء، وإن ظلّت فرضية وقوف الفعل السياسي خلف الحرائق ولكن بنسب متدنية.

البعض الآخر ذهب بالاتهام لشريحة لها مصالحها الخاصة سواء في مسألة استهداف المناطق الحرجية من أجل الإفادة منها لتكون فحماً أو حطباً، أو لناحية استغلال الأراضي والمواقع الطبيعية من أجل إنشاء كسارات أو إقامة منشآت عمرانية أو ما سوى ذلك. وهذا الاتهام قد يكون له أيضاً مكانة وإن لم تكن أيضاً كبيرة وواضحة.

البعض الآخر ذهب بالاتهام إلى حدود توجيه الرسائل المدوّية التي تحمل تحذيرات ورسائل مبطّنة للداخل والخارج على حد سواء، بمعنى آخر، توجيه رسالة على القدرة على إحراق البلد دون أن يتم استخدام رصاصة واحدة. وهذا اتهام أيضاً قد يكون له اعتبار وإن لم يكن كبيراً.

البعض ذهب بالاتهام إلى حدود توجيه الإصبع نحو العدو الاسرائيلي بحيث يتيح له إحراق المناطق الحرجية في أكثر من مكان استراتيجي على كشف ما تخفيه الطبيعة في تلك الأماكن، ويمكن أن يشكل خطراً استراتيجياً على العدو. وهذا أيضاً اتهام ممكن وإن كان ضئيلاً.

أغلب الظن أن الحقيقة خلف اندلاع هذه الحرائق ستضيع في هذا البلد الغارق في هذا الكم الهائل من الفساد والتلهي بالقضايا الجانبية والضيّقة. ولكن يبقى السؤال لماذا لم تكن الدولة بكل أجهزتها جاهزة وحاضرة للتصدّي لمثل هذه الكوارث الطبيعية إذا اعتبرنا أن ما جرى هو بفعل الطبيعية وليس بفعل الانسان؟ لماذا هذا التقصير واللامبالاة من المسؤولين حيال هذه الكارثة؟ ومن الذي سيتحمّل المسؤولية عن كل هذا التقصير واللامبالاة؟ ومن الذي سيكون صريحاً وواضحاً وشفافاً في قول الحقيقة ومصارحة الناس؟

من غير الطبيعي أن يختنق الناس في منازلها، أو يشردوا على الطرقات بفعل دخان الحرائق الذي التهم الأخضر واليابس , فيما لا يتم محاسبة أحد على الإطلاق!

قيل إنه سيجري تشكل لجنة تحقيق لمعرفة الأسباب والملابسات والمقصرين، وقيل أيضاً إن اللجان هي مقبرة المشاريع. ستمضي الكارثة وكأن شيئاً لم يكن، وسيعود الناس إلى منازلهم أو حقولهم المحروقة يحصون الأضرار، فيما سيظل الفساد واللامبالاة عنوان هذه الطبقة التي لم تُبقِ للحرائق لا أخضر ولا يابساً حتى يحترق.

د. وائل نجم