قاسم قصير

شهدت الساحة الدرزية خلال الاسابيع الاخيرة سلسلة تطورات ادت الى خلط الاوراق واعادة ترتيب التحالفات ، وفيما عمد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الى اعادة تموضعه السياسي ، شهدنا تقارباﹰ مستجداﹰ بين رئيس الحزب الديمقراطي الوزير طلال ارسلان ورئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب . وقد شكلت حادثة بلدة الجاهلية ومحاولة توقيف وهاب ، وما سبق وما تلا تلك الحادثة من تطورات ، السبب المباشر للمتغيرات على الساحة الدرزية، وان كانت التطورات الداخلية والاقليمية لها التأثير غير المباشر على الواقع الدرزي ، مما دفع جنبلاط للاعلان مؤخراﹰ : كلنا مهزومون فماهي اسباب المتغيرات غلى الساحة الدرزية؟ والى اين تتجه الاوضاع في المرحلة المقبلة؟

اسباب التغيرات والواقع الحالي

بعد انتهاء الانتخابات النيابية الاخيرة , اعتبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ان حزبه حقق انتصارا مهما من خلال حصد معظم المقاعد الدرزية مع عدد من الحلفاء ، باستثناء ترك مقعد للوزير طلال ارسلان في عاليه , والتوافق على مقعد النائب انور الخليل في مرجعيون – حاصبيا.

ومع ان اللقاء الديمقراطي خسر بعض المقاعد في الشوف وعاليه , ونال الوزير السابق وئام وهاب عددا كبيرا من الاصوات في الشوف ، فان جنبلاط بدأ العمل على اساس ان يكون الحزب التقدمي هو الممثل الوحيد للدروز في الحكومة الجديدة، بهدف ترسيخ زعامة نجله تيمور ولمحاصرة القوى الدرزية الاخرى واضعاف دورها السياسي والشعبي.

لكن المفاوضات حول تشكيل الحكومة وبعض المتغيرات الداخلية والاقليمية منعت جنبلاط من تحقيق هدفه , واضطر للقبول بالتنازل عن احدى الحقائب الوزارية الدرزية لصالح الرئيس ميشال عون , وبالتوافق مع الوزير طلال ارسلان.

لكن التطور الابرز الذي ادى الى اعادة خلخلة الاوضاع الدرزية جاء بعد التطورات الاقليمية والهجوم الذي قام به جنبلاط على حزب الله وايران , متهما الحزب بتعطيل تشكيل الحكومة لاسباب خارجية , والرد القاسي عليه من قبل امين عام الحزب السيد حسن نصر الله ، ثم الهجوم القاسي للوزير وئام وهاب على الرئيس سعد الحريري , والتطورات الميدانية في الجبل عبر تحرك انصار وهاب ، ولاحقا حادثة بلدة الجاهلية بعد استدعاء وهاب للقضاء ومحاولة توقيفه ، كل ذلك اشعر جنبلاط بالخطر ودفعه لاعادة التواصل مع حزب الله وتخفيف الحملة عليه ، وبالمقابل فان القوى الدرزية والحزبية المعارضة لجنبلاط في منطقة الجبل عمدت الى اعادة تجميع صفوفها والالتفاف حول وئام وهاب ، مما اشعر جنبلاط بمخاطر جديدة على وضعه ، في ظل متغيرات دولية واقليمية في المنطقة دفعته للاعلان عن الهزيمة من على صفحات التويتر، في ظل الحديث عن بعض الضعف في ادارة نجله تيمور للقيادة السياسية والحزبية ، واضطرار جنبلاط الاب لمتابعة ادارة العمل السياسي والحزبي في هذه المرحلة.

افاق المرحلة المقبلة

لكن هل التراجع الذي اصاب الحزب التقدمي الاشتراكي ورئيسه وليد جنبلاط سيؤدي الى اضعاف دوره مستقبلاﹰ ؟ وهل ستنجح القوى الدرزية والحزبية المعارضة له في تجميع صفوفها مجددا؟

ان التراجع الذي اصاب الحزب التقدمي واعلان رئيسه وليد جنبلاط عن الهزيمة في هذه المرحلة ، لا يعني ان الحزب يواجه ازمة كبرى قد تؤدي الى اضعافه ، لكن من المعروف ان جنبلاط الاب يحرص على قراءة التطورات الداخلية والاقليمية والدولية والتعاطي مع الاوضاع السياسية وفقا لهذه المتغيرات ، واذا كانت الظروف تضطره احيانا للتراجع او تخفيض صوته الاعتراضي او التخفيف من حملاته على الاخرين ، فان ذلك لا يعني ان الحزب فقد شعبيته او ضعف دوره السياسي، لكن من الواضح اننا نعيش اليوم مرحلة انتقالية داخلياﹰ واقليمياﹰ ودوليا ، وان النظام السوري بدأ يستعيد موقعه على الخارطة السياسية، في ظل الازمة الكبيرة التي تواجهها المملكة العربية السعودية وهي الحليف الاكبر لجنبلاط ، وان القوى الداعمة للنظام السوري حققت انجازات مهمة ميدانياﹰ، وكل ذلك يتطلب اعادة التموضع داخليا واعادة التقارب والحوار مع حزب الله ، بانتظار جلاء الصورة حكوميا وسياسيا وخارجيا.

وفي المقابل فان القوى الدرزية والحزبية المعارضة لجنبلاط والحزب التقدمي الاشتراكي تحاول اعادة تجميع ضغوطها وترتيب العلاقات فيما بينها ، وان كانت لم تنجح حتى الان في اقامة جبهة قوية متماسكة , ولا تزال هناك بعض الخلافات فيما بينها.

اذن , نحن اليوم امام مرحلة انتقالية داخلياﹰ وخارجياﹰ , ولذلك فان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يحاول اعادة ترتيب اوضاعه وتموضعه بانتظار وضوح المشهد ، وان كانت الزعامة الجنبلاطية قد تواجه مستقبلاﹰ تحدّيات عديدة في ظل زعامة تيمور جنبلاط ومدى قدرته على ادارة المرحلة المقبلة ومواجهة المتغيرات المختلفة.

قاسم قصير