العدد 1572 /26-7-2023

ريتا الجمّال

بدأ الموفد الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان، بعد ظهر اليوم الثلاثاء، جولته الثانية على المسؤولين اللبنانيين، لحثهم على انتخاب رئيس للجمهورية، ومساعدة القوى السياسية في مسار إيجاد حلٍّ توافقي لإنهاء الشغور في سدّة الرئاسة الأولى.

واستهلّ لودريان جولته بلقاءٍ مع رئيس البرلمان نبيه بري، الذي خرج بتصريحٍ صحافيٍّ لافتٍ، عقب الاجتماع، يُعلن فيه تمسّكه بترشيح رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، المدعوم من "حركة أمل" و"حزب الله".

وفي وقتٍ لم يدلِ لودريان بأي تصريح، وصف بري في بيان صادر عن مكتبه الإعلامي، اللقاء بـ"الجيد"، واكتفى بالقول، إن "كوة في جدار الملف الرئاسي قد فُتحت، من دون ذكر أي تفاصيل، علماً أن أوساطه السياسية كانت أكدت أن الموفد الفرنسي لا يحمل معه أي مبادرة رئاسية.

وقال مصدرٌ مقرّب من بري لـ"العربي الجديد"، إن "لودريان انتقل هذه المرّة من ضفة المستمع إلى المتحدث، خصوصاً بنقله أجواء اللقاء الخماسي الذي استضافته العاصمة القطرية، الدوحة، قبل أسبوعٍ، وضمّ ممثلين عن دول قطر، مصر، المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن فرنسا".

وأشار المصدر إلى أن "بري وضع لودريان في إطار التطورات الرئاسية، والأسباب التي تؤدي إلى عرقلة الاستحقاق، وأن فريقه السياسي رشح فرنجية لرئاسة الجمهورية، وهو مرشحٌ جدّي، بعكس الفريق السياسي الآخر، الذي يطرح أسماء من بوابة المواجهة فقط، مشدداً على أنه عندما يكون هناك مرشحان جديان للرئاسة سيدعو البرلمان إلى جلسة انتخاب، ومكرراً قوله إن الحوار هو الطريق الوحيد لانتخاب رئيس".

وأضاف: "كان هناك تأكيد من لودريان على ضرورة التوافق لانتخاب رئيسٍ في أسرع وقتٍ ممكن، مُعبّراً عن خشية دولية جدية على الوضع في لبنان، إذا استمرّ الشغور الرئاسي، خصوصاً اقتصادياً واجتماعياً، ومؤكداً أن لا فيتو على أي اسم للرئاسة، إنما هناك مواصفات يجب أن تتوفر في الرئيس الجديد، سبق أن أُعلِن عنها، في مقدّمها، القدرة على القيام بخطوات إصلاحية إلى جانب الحكومة الجديدة، واحترام الاتفاقيات الدولية، والتحاور مع الجميع".

ووزعت السفارة الفرنسية في لبنان أمس الاثنين، بياناً صحافياً، أعلنت فيه، أن "زيارة لودريان، ستستمرّ من 25 يوليو/ تموز الحالي إلى 27 منه، وهذه الرحلة الثانية، هي جزءٌ من مهمته في التيسير والمساعي الحميدة، بهدف أن يقوم جميع أصحاب المصلحة المعنيين، بتهيئة الظروف المواتية لبروز حلّ توافقي لانتخاب رئيس للجمهورية، وهي خطوة أساسية في إعادة تنشيط المؤسسات الدستورية السياسية التي يحتاجها لبنان بشكل عاجل للشروع في طريق الانتعاش".

مع الإشارة، إلى أن جولة لودريان، لن تشمل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، كونها تقتصر على الشخصيات ذات الصلة بالملف الرئاسي، وسط أنباء أيضاً عن جولة ثالثة قد يجريها لودريان إلى بيروت في وقتٍ قريبٍ.

وتستبعد القوى السياسية اللبنانية أن تساهم جولة لودريان الثانية، في إيجاد حلٍّ للأزمة الرئاسية، في ظلّ احتدام الصراع، ليس فقط على صعيد الرئاسة، بل في العديد من الملفات والاستحقاقات التي ترتفع حدّة الخلاف فيها، آخرها، تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، في ظلّ تحدٍّ صريح من بري، لأكبر تكتلين مسيحيين في البرلمان، وإعلانه عقد الحكومة جلسة الخميس، لتعيين حاكم جديد قبل انتهاء ولاية حاكم البنك المركزي، رياض سلامة، في 31 يوليو/ تموز الجاري، كما وتصويبه على التكتلين، "التيار الوطني الحر" (يرأسه النائب جبران باسيل) و"حزب القوات اللبنانية"، متهماً إياهما بتعطيل عمل المجلس النيابي.

وهناك معارضة شديدة من قبل "التيار" و"القوات" بالدرجة الأولى، لتوسيع صلاحيات الحكومة وهي بهيئة تصريف الأعمال، باعتبار هذه الممارسات بمثابة وضع يد على صلاحيات رئيس الجمهورية، وخرق للدستور والميثاق اللبناني، مع رفضهما تعيين حاكم جديد قبل انتخاب رئيس للجمهورية.

ويُتهم بري بشكل أساسي، ومن خلفه "حزب الله"، من قبل معارضيه، بالتمسّك بتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، رغم الأصوات الرافضة لهذه الخطوة، وما يمكن أن تحمله من تأجيج للصراع السياسي، كونه يرفض تسلّم نائب الحاكم الأول وسيم منصوري، المحسوب عليه سياسياً، مهام الحاكم، في ظلّ الشغور، عملاً بأحكام قانون النقد والتسليف، لعدم تحميله كرة المسؤولية وعبء المرحلة المقبلة، وسط مؤشرات تشي بانهيار حتمي إذا ما استمرّت الأزمة الرئاسية، خصوصاً أن فريق بري يمسك في الوقت نفسه، بأهم مواقع الدولة المالية، على رأسها وزارة المال.

كذلك، يأتي استبعاد الحلّ القريب على يد لودريان، من بوابة الهجوم اللافت الذي شنّه "حزب الله" على بيان الدول الخمس، الذي كان واضحاً بتوجيهه رسالة تحذير عامة لجميع الأطراف اللبنانية بعدم عرقلة الجهود، لتأثيرها المباشر على مستقبل لبنان وازدهاره واستقراره، كما تشديده على ضرورة تطبيق القرارات الدولية، والذي فسّرته أوساط معارضة لـ"حزب الله" وفريقه السياسي، بأنه يقفل الباب أمام وصول فرنجية للرئاسة.