العدد 1573 /2-8-2023
بسام غنوم

تعيش الساحة اللبنانية في ظل تطورات امنية واقتصادية على وقع استمرار حالة المراوحة في ملف انتخاب رئيس جديد للجمهورية ، ويعتقد بعض المراقبين والمتابعين للشأن اللبناني ان ما يجري حاليا من احداث امنية سواء في مخيم عين الحلوة او غيره من المناطق اللبنانية او فيما يتعلق بالشأن الاقتصادي بعد انتهاء ولاية حاكمية مصرف لبنان ، انما يدخل في اطار صراع القوى السياسية اللبنانية فيما بينها اولا ، والجهات العربية والدولية والاقليمية المعنية بالشأن اللبناني ثانيا ، وبالتالي فإن الفترة القادمة مرشحة الى مزيد من الاحداث والتطورات على مختلف الصعد في حال لم يتم التوافق بين مختلف الجهات الداخلية والخارجية على انتخاب رئيس للجمهورية في اقرب وقت ممكن ، خصوصا وان الساحة اللبنانية في ظل حالة تفكك الدولة والتشرذم السياسي والخطاب الطائفي القائم في البلد ، مهيئة لأي حدث وعلى اي صعيد، وتهديد اللجنة الخماسية التي انعقدت في الدوحة بفرض عقوبات على معرقلي انتخاب رئيس جيد للجمهورية يؤكد ذلك.

في ظل هذا الواقع كيف تبدو طبيعة التحركات التي قام بها الموفد الفرنسي الى لبنان جان ايف لودريان ، وهل هناك امل بالوصول الى حل في شهر ايلول القادم ؟

تختلف النظرة الى الجهود التي يبذلها الموفد الفرنسي جان ايف لودريان بين فريقي السلطة والمعارضة ، ففي حين تؤكد مصادر السلطة ان الموفد الفرنسي يؤيد دعوتها للحوار ولا يمانع انتخاب مرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية ، ترى اوساط المعارضة ان هذه المقاربة لمهمة الموفد الفرنسي غير صحيحة ، فهو وان تبنى الدعوة الى اجراء حوار بين اللبنانين للاتفاق على مواصفات رئيس الجمهورية الا انه لم يتبنى رؤية الثنائي الشيعي بتأييد انتخاب مرشحه للرئاسة سليمان فرنجية ، وتدلل قوى المعارضة على ذلك بالموقف الصادر عن الخارجية الفرنسية بعد انتهاء زيارة لودريان الى لبنان حيث أعلنت الخارجية الفرنسية بعد انتهاء جولة مبعوثها على الفرقاء اللبنانيين أنه اقترح على جميع الجهات الفاعلة المشاركة في عملية انتخاب رئيس الجمهورية دعوتهم إلى لقاء في لبنان، في شهر (أيلول)، بهدف التوصل إلى توافق حول القضايا والمشروعات التي تشكل الأولوية، التي يجب أن يعمل عليها رئيس الجمهورية المقبل، مؤكدة أن هذه المبادرة تحظى بدعم كامل من الشركاء وأصدقاء لبنان الذين التقوا في الدوحة في 17 تموز.

وبحسب معلومات من القوى والشخصيات التي عقدت لقاءات مع لودريان فإنّ الموفد الفرنسي ينتظر اجوبة الافرقاء الذين التقاهم عن الاسئلة التي كان قد وَجّهَها اليهم حول الملفات التي ينبغي ان تكون محور اهتمام الرئيس العتيد في بداية عهده، وعن المؤهلات الواجب توافرها في هذا الرئيس والتي تُمَكّنه من معاجلة هذه الملفات، حتى اذا تلقى الرجل هذه الاجوبة يعمل على اجراء تقاطعات فيما بينها، قبل ان يعود الى بيروت لوضع الجميع في الخلاصات التي توصّل اليها والبحث معهم فيها، وفي ضوء النتائج تتحدد امكانية الدعوة الى انتخاب الرئيس الجديد.

وبالتالي فإن كل ما يشاع عن قبول غير معلن من لودريان لمطالب الثنائي الشيعي هو غير دقيق، ويصب في اطار الضغوط التي يمارسها هذا الفريق من اجل فرض مرشحة ورؤية السياسية في لبنان كأمر واقع ، وتكشف عودة الاتصالات بين "حزب الله" والتيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل بعد حالة الجفاء المعلن بين الطرفين في الفترة السابقة عن حاجة الثنائي الشيعي الى غطاء مسيحي قوي يستطيع من خلاله فرض مرشحه سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية ، لذلك دخل في بازار سياسي مع جبران باسيل من اجل ذلك ، وهو ما عبر عنه باسيل بسلسلة من المواقف والمطالب من اجل تغيير موقفه من مرشح الثنائي الشيعي حيث اعلن من مخيم الشباب في بشتودار، استعداده «للتضحية باسم رئيس الجمهورية فقط لا بموقع الرئاسة او بصلاحياتها، مقابل مَكسَبين للبنان: اللامركزية الادارية والمالية الموسعة والصندوق الائتماني»، مشدداً على ان ذلك «ليس مُقايضة ولا تنازلًا انما من أجل تحصيل حقوق اللبنانيين وأموالهم»، وقال: «لنا الشرف ان نقوم بمعركة حقيقية لتطبيق اللامركزية التي أُقِرّت منذ 33 سنة ولم تُنفّذ بعد. كما حققنا الشراكة في قانون الانتخاب والحكومات ورئاسة الجمهورية سنحقق للبنانيين اللامركزية الموسعة شاء من شاء وأبى من أبى».

بالخلاصة يمكن القول الحلول مستبعدة في المدى المنظور ، اولا لأن القوى السياسية اللبنانية المختلفة غير مستعدة للوصول الى حل وسط ، وثانيا لأن الظرف الاقليمي والدولي بعيد كل البعد عن الحلول والتسويات في مختلف الملفات ولاسيما في ملف العقوبات على ايران و الملف النووي الايراني ، فهل يكون خريف لبنان القادم ساخنا ؟

بسام غنوم