1570/12-7-2023

عبد الحميد عوض

تطرح مقاطعة وفد الحكومة السودانية، المكون من ضباط في الجيش ومدنيين، اجتماع الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) الذي استضافته أديس أبابا، أمس الاثنين، جملة من الاستفهامات حول الأسباب، لا سيما بعدما برر الجيش ذلك بمطالبته بتنحية كينيا عن رئاسة اللجنة لاتهامها بـ"عدم الحياد" في النزاع.

وكانت اللجنة الرباعية المنبثقة من "إيغاد" دعت كلا من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، طرفي القتال في السودان، إلى وقف "غير مشروط" لإطلاق النار بعد فشل العديد من المحاولات. وحظي الاجتماع باهتمام إقليمي ودولي كبير، وعقدت على هامشه جملة من اللقاءات ذات الصلة لمهتمين بشأن الحرب في السودان، بمن فيهم مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية، مولي في، ومسؤولون سعوديون وممثلون عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

غير أن وفد الحكومة السودانية قرر مقاطعة الاجتماع كليا، تجديدا لموقف برفض رئاسة كينيا للجنة الرباعية، بحجة عدم حيادها تجاه الحرب في السودان، وانحيازها لصالح قوات الدعم السريع.

وأوضح بيان لوزارة الخارجية السودانية أن الحكومة أرسلت لتأكيد جديتها وفدا إلى أديس أبابا، لكن الوفد اتضح له أن كينيا تترأس الاجتماع رغم خطاب السودان للمنظمة والتفاهمات التي أجراها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان (قائد الجيش) مع رئيس جيبوتي إسماعيل عمر قيلي، الرئيس الحالي للمنظمة.

في المقابل، قالت قوات الدعم السريع، في بيان لها، إنها فوجئت بمقاطعة وفد القوات المسلحة للجلسة الأولى بذرائع واهية غير موضوعية رغم وصوله لأديس أبابا، مبينة أن "ذلك التصرف غير المسؤول يكشف بوضوح أن القرار داخل المؤسسة العسكرية مختطف، وأن هناك مراكز متعددة لاتخاذ القرار بداخلها تسعى لإطالة أمد الحرب وعرقلة المساعي الحميدة كافة التي يبذلها أشقاء وأصدقاء السودان في محيطه الإقليمي والدولي".

وأضاف البيان أن مقاطعة اجتماع "إيغاد" من قبل وفد القوات المسلحة "تأتي ضمن نهج النظام البائد المتطرف الذي بسببه تعرض السودان إلى أكبر عزلة إقليمية ودولية في تاريخه، وإلى عقوبات تركت آثاراً سلبية في كافة مناحي الحياة في البلاد".

تعليقاً على ذلك، قال سفير السودان الأسبق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي، الطريفي كرمنو، إن "الحكومة السودانية اتخذت القرار الصحيح بمقاطعة أعمال اللجنة الرباعية المكونة من إيغاد، لأنه لا يمكن لها أن تقبل برئاسة الرئيس الكيني وليام روتو للجنة لمواقفه السابقة وقربه من زعيم مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)".

وأضاف كرمنو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "السودان سبق أن أخطر برفضه لروتو ومنذ وقت مبكر، لكن الهيئة لم تستجب لذلك، بالتالي فإن وجود ممثلين للحكومة أو الجيش السوداني داخل الاجتماعات كان يعني الإقرار بهزيمة الجيش الذي يسيطر فعليا على البلاد، بينما تكتفي مليشيا الدعم السريع بالسيطرة على منازل المدنيين والمشافي وغير قادرة على الخروج منها لمنازلة الجيش"، على حد تعبيره.

واعتبر كرمنو أن "إيغاد" ارتكبت "خطأ جسيماً"، مشيراً إلى أن اللجنة الرباعية ضمت كينيا وإثيوبيا وجنوب السودان وجيبوتي، التي تترأس حالياً المنظمة، وكان أمام رئيسها إسماعيل عمر قيلي ترؤس الاجتماعات بصفته رئيسا للمنظمة ولا يترك الأمر لكينيا. وأكد المسؤول ذاته أن "السودان لا يمكن أن يعود للتعامل مع "إيغاد" ما لم يتم تغيير رئاسة كينيا للجنة الرباعية".

وحول مدى وجود بدائل لمبادرة "إيغاد" يمكن للحكومة السودانية اللجوء إليها، اعتبر كرمنو أن هناك أكثر من مبادرة، منها المبادرة المصرية التي ستدشن الخميس المقبل، وقبلها المبادرة السعودية الأميركية.

أما أستاذ العلوم السياسية، صلاح الدومة، فيرى انسحاب الجيش من اجتماعات أديس أبابا "موقفاً خاطئاً ويمثل استخفافا بالجهود الإقليمية والدولية، كما يمثل خطأ استراتيجيا، لأن الرئيس الكيني وليام روتو في رئاسة اللجنة لا يمثل نفسه ولا يتخذ قرارات بنفسه، إنما القرارات تتخذها الهيئة الحكومية للتنمية مجتمعة".

وأضاف الدومة، في تصريح لـ"العربي الجديد": "كل الدلائل والمؤشرات تؤكد أن مبادرة إيغاد ستتطور لتدخل عسكري عبر قوات الإيساف الخاصة بدول شرق أفريقيا لحماية المدنيين في السودان، وفرض حظر طيران، وتحويل بعض المدن لمناطق منزوعة من السلاح والقوات، وفتح ممرات آمنة للمدنيين، وتوصيل المساعدات للمتضررين من الحرب، على غرار ما حدث في ساحل العاج". وتابع: "ذلك كله، بدعم من المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، التي تساند أي تدخل عسكري في السودان ودعمه بالطيران وآليات المراقبة المباشرة والتقنية".

وكانت "قوى الحرية والتغيير" قد عبرت عن أسفها لعدم مشاركة وفد القوات المسلحة في الاجتماع رغم وجوده في أديس أبابا، داعية القوات المسلحة إلى "تجاوز الجوانب الشكلية، وأن تستصحب معها معاناة السودانيين والسودانيات داخل الوطن وخارجه جراء استمرار هذه الحرب والاستجابة لتطلعات الشعب السوداني في وقفها وإنهاء كل الظروف والكوارث الناتجة عنها، وحقن دماء وحفظ ممتلكات الشعب السوداني".

من جهته، رأى حزب "المؤتمر الشعبي" في بيان له أن "الجهود الدولية والإقليمية في تسوية النزاعات السودانية من قَبل لم يُكتب لها النجاح، ما يوجب على القوى السياسية الوطنية أن تقود زمام المبادرة، والاستفادة من التيسير والتسهيل الدولي في الوصول إلى تسوية عاجلة لوقف الحرب ورفع المعاناة عن كاهل الشعب السوداني".

من جهة أخرى، استبعد مصدر عمل سابقاً بقوات طوارئ شرق أفريقيا "إيساف" إمكانية نشر عناصرها دون موافقة السودان، موضحا، في تصريح لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم ذكر اسمه، أنه بالرغم من جاهزية القوات منذ 2015، إلا أنها لم تقم بأي عمليات تدخل بعد أن رفضت إريتريا في وقت سابق أن تكون متواجدة على حدودها مع إثيوبيا، أو حتى في بورندي بعد اندلاع العنف على نطاق واسع.

وأشار المصدر إلى أن "الجيش السوداني لديه تأثير كبير على تلك القوات، باعتباره من المؤسسين لها، فضلا عن أن السودان من أكبر الممولين لها". ونبه إلى أن "التدخل العسكري يمكن أن يتم في حالة واحدة، وهي البند السابع عبر الأمم المتحدة في حال وجود مخاطر جماعية".

وفي تطور لاحق، اعترضت وزارة الخارجية السودانية على البيان الختامي لاجتماع لجنة "إيغاد" الرباعية، وقالت إن ما ورد فيه بخصوص غياب الوفد الحكومي "غير دقيق ويجافي الواقع".

وأضافت الوزارة أن "المصداقية كانت تقتضي أن يشير بيان اللجنة الرباعية إلى أن عدم مشاركة وفد حكومة السودان سببه الاعتراض على رئاسة الرئيس وليام روتو للجنة الرباعية"، موضحة أن "بيان اللجنة الرباعية الختامي دعا لعقد اجتماع قمة دول قوات طوارئ شرق أفريقيا للنظر في إمكانية نشر وحداتها لحماية المدنيين وضمان انسياب المساعدات الإنسانية، لتقول إن المساعدات الإنسانية المقدمة من الجهات الدولية تنساب وتصل إلى المحتاجين".

وأعلن البيان "رفض الحكومة لنشر أي قوات أجنبية في السودان"، وأنها ستعتبرها "قوات معتدية".

ورحبت الوزارة بقمة دول الجوار التي تستضيفها مصر، الخميس المقبل، بغرض مناقشة الأزمة في السودان، اتساقا مع موقفها الذي رحب بمبادرة جدة. وذكر البيان أن حكومة السودان تخبر منظمة "إيغاد" بأن عدم احترام آراء الدول الأعضاء "سيجعل حكومة السودان تعيد النظر في جدوى عضويتها في المنظمة".