العدد 1579 /13-9-2023

أسامة علي

تعيش ليبيا أياماً صعبة من جراء الإعصار المتوسطي دانيال الذي ضرب عدداً من مناطق شمال شرق البلاد، فجر الأحد الماضي، مخلفاً آلاف القتلى والمفقودين. وفي وقت أعلن متحدث وزارة الداخلية بالحكومة المكلفة من البرلمان الليبي، طارق الخراز، أن عدد ضحايا دانيال بلغ 5200 قتيل في مدينة درنة وحدها، وحذر الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر من أنه يتوقّع أن ترتفع حصيلة قتلى الفيضانات بشكل هائل، في ظل وجود 10 آلاف مفقود. وقال المسؤول في المنظمة طارق رمضان: "لا نملك أرقاماً نهائية لعدد القتلى حالياً"، موضحاً في الوقت نفسه أن "حصيلة القتلى ضخمة وقد تصل إلى الآلاف". وأكد أن "عدد المفقودين وصل إلى نحو 10 آلاف شخص".

في الوقت نفسه، قال رمضان إن "الاحتياجات الإنسانية تتجاوز بأشواط إمكانيات الصليب الأحمر الليبي والحكومة. لهذا السبب، أطلقت الحكومة في الشرق نداء للحصول على مساعدات دولية، وسنطلق نحن نداء عاجلاً قريباً أيضاً".

وفي وقت سابق، أعلن وزير الصحة بالحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي، عثمان عبد الجليل، عن ارتفاع حصيلة ضحايا الإعصار إلى 3000 قتيل جلهم بمدينة درنة (شرق) وآلاف المفقودين. وكان جهاز الطوارئ الليبي قد أعلن أن 2300 شخص على الأقل لقوا حتفهم في الفيضانات التي اجتاحت مدينة درنة، البالغ عدد سكانها مائة ألف نسمة. وانهار السدان الرئيسيان على نهر وادي درنة الصغير، ليل الأحد الاثنين، ما تسبب في انزلاقات طينية ضخمة، دمّرت جسوراً، وجرفت العديد من المباني مع سكانها.

وقال وزير الصحة في الحكومة الليبية المكلفة، عثمان عبد الجليل، مساء الاثنين: "الأوضاع في درنة تزداد مأسوية. هناك كثير من الأحياء لم نتمكن من الوصول إليهم، وأتوقع ارتفاع عدد الوفيات إلى 10 آلاف". وأضاف: "نطالب الدول الصديقة بالمساعدة في إنقاذ ما تبقى بمدينة درنة ومناطق الجبل". وحالت طرقات مقطوعة وانهيارات أرضية وفيضانات دون وصول المساعدات إلى السكان الذين اضطروا لاستخدام وسائل بدائية لانتشال الجثث والناجين الذين كانوا على وشك الغرق.

من جهتها، قالت حكومة شرق ليبيا إن نحو رُبع مدينة درنة "اختفى" تقريباً بعد انهيار سدود. وأوضح وزير الطيران المدني وعضو لجنة الطوارئ في حكومة شرق ليبيا، هشام أبو شكيوات: "عُدت من هناك (درنة). الأمر كارثي للغاية. الجثث ملقاة في كل مكان، في البحر، في الأودية، تحت المباني". وتابع: "ليس لدي عدد إجمالي للقتلى لكن هو كبير كبير جداً. عدد الجثث المنتشلة في درنة تجاوز الألف. لا أبالغ عندما أقول إن 25 في المائة من المدينة اختفى. العديد من المباني انهارت".

وأظهرت مقاطع مصورة سيلاً جارفاً يشق طريقه عبر وسط مدينة درنة بعد انهيار سدود، بينما اصطفت مبان مُهدمة على جانبي الطريق. وأعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، على موقع "إكس"، أنه جرى إرسال طائرة تحمل 14 طناً من المستلزمات والأدوية وأكياس حفظ الجثث، وتقل 87 من أفراد الأطقم الطبية والمسعفين إلى مدينة بنغازي.

من جهته، قال المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا، ريتشارد نورتون، على "إكس"، إن واشنطن سترسل مساعدات "بالتنسيق مع شركائها في الأمم المتحدة والسلطات الليبية، لتقييم أفضل السبل للاستفادة من المساعدات الأميركية الرسمية". ومصر وقطر وإيران وألمانيا من بين الدول التي قالت إنها مستعدة لإرسال مساعدات. ووصل الفريق أسامة عسكر رئيس أركان الجيش المصري على رأس وفد عسكري رفيع المستوى إلى ليبيا، للتنسيق مع المسؤولين هناك بشأن سبل تقديم كافة أوجه الدعم اللوجيستي والإغاثة الإنسانية العاجلة. فيما قال المستشار الألماني أولاف شولتس على "إكس": "الأخبار المتعلقة بالسيول العارمة في ليبيا مفزعة. من المتوقع سقوط الكثير من القتلى والمصابين، خصوصاً في الشرق".

وشددت القائمة بأعمال مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا سابقاً، ستيفاني وليامز، على ضرورة تقديم مساعدات خارجية على وجه السرعة، قائلة في منشور على منصة "إكس"، إن الكارثة "تتطلب زيادة عاجلة في المساعدات الدولية والإقليمية".

بدوره، قال منسق الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل: "الاتحاد الأوروبي يشعر بالحزن لصور الدمار في ليبيا التي دمرتها ظروف جوية قصوى تسببت بخسائر بشرية مأسوية، ويراقب الوضع من كثب وهو على استعداد لتقديم دعمه". ووصفت الناطقة باسم منظمة الصحة العالمية، مارغريت هاريس، الوضع في ليبيا بأنه "كارثة مأسوية".

وأُعلن الحداد ثلاثة أيام على أرواح ضحايا الإعصار. وفي وقت سابق، أعلن وزير الصحة بحكومة مجلس النواب عثمان عبد الجليل، أنه دُفن 700 شخص حتى الساعة 11 من ليل أول من أمس الاثنين، علماً أن الهلال الأحمر كان قد أعلن أن فرقه دفنت 352 جثة حتى مساء اليوم نفسه. وقال عضو غرفة الطوارئ التابعة لبلدية درنة عبد القادر أبوملاسة، لـ "العربي الجديد": "العدد الذي قام جهاز الهلال الأحمر بدفنه كان في مقبرة منطقة مرتوبة (جنوب شرق درنة) فيما جرى دفن مجموعات أخرى في مقابر بمناطق أخرى مجاورة"، مؤكداً أنه لا يمكن تحديد العدد النهائي لضحايا الفيضانات في الوقت الحالي. أضاف: "لا يزال الوضع كارثياً على الرغم من محاولات جمع كل الفرق، وخصوصاً المتطوعين، في غرفة واحدة لضبط أعداد المفقودين من خلال البلاغات والاستغاثات. وجرى تكليف وكلاء من نيابة المدينة داخل مركز شيحا الطبي للإشراف على تسليم الجثامين، بعد أن يتعرف عليهم ذووهم"، مشيراً إلى أن استمرار عمليات البحث عن المفقودين وانتشال الجثث يجعل ضبط أعداد القتلى "أمراً صعباً حالياً".

وأشار أبوملاسة إلى استمرار عمليات البحث عن المفقودين "في أماكن عدة، منها تحت ركام بعض المباني التي جرفتها المياه، أو التي نقلتها السيول إلى البحر. وبحسب بلاغات وردتنا، هناك عشرات الجثث جرفتها السيول إلى مخازن ميناء المدينة". وأضاف أنه لدى فرق الإنقاذ نفسها "أربع ضحايا وأكثر من خمسة مفقودين من المتطوعين".

وأعلنت قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ليل الاثنين، عن ارتفاع أعداد المفقودين بين أفرادها إلى 79 أثناء مشاركتهم في عمليات الإنقاذ. يشار إلى أن الإعصار وصل مساء الأحد إلى شواطئ بنغازي، مروراً بمدن المرج (100 كم شرق بنغازي)، والبيضاء وشحات (200 كم شرقاً)، وأخيراً درنة وسوسة المجاورتين (300 كم شرقاً)، بالإضافة إلى عدد من القرى والمناطق الواقعة بينها، وخصوصاً تاكنس والبياضة ضاحيتي مدينة البيضاء.

وفي وقت لم تسجل مدينتا بنغازي والمرج أية خسائر بشرية، سجلت مدينتا البيضاء وشحات والمناطق المجاورة لها في تاكنس والبياضة 47 حالة وفاة حتى مساء الاثنين، وفقاً لمدير المركز الطبي بمدينة البيضاء عبد الرحيم مازق. وأضاف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن الرقم مرجح للزيادة، بسبب وجود 203 مفقودين في المناطق ذاتها، ولا يزال البحث عنهم جارياً.

وفي سوسة، أوضح عميد بلدية المدينة وائل بريك أنه لا يمكن الكشف عن العدد النهائي للضحايا إلا بعد معرفة مصير 50 أسرة لا يزال الاتصال بها منقطعاً. وقال إن هذه الأسر "تقطن عمارات سكنية في جزء من المدينة لا يزال مغموراً بكميات كبيرة من المياه"، مضيفاً: "الأمل لا يزال كبيراً مع قرب وصول فرق الإسعاف بواسطة الزوارق والقوارب المطاطية. تلك العمارات مؤلفة من أدوار عالية، ويمكنهم اللجوء إلى أسطحها".

وعلى الرغم من إعلان حكومة الوحدة الوطنية إرسال دعم لفرق الإنقاذ في المنطقة الشرقية قوامه عشرات معدات شفط المياه، ومولدات كهربائية، و45 زورقاً مطاطياً، موزعة على 40 شاحنة مساعدات، إلا أن بريك أكد عدم وصول دعم من قبل الحكومة في طرابلس حتى ليل الاثنين.

وفي الساعات الأولى لوصول الإعصار إلى درنة، أظهرت فيديوهات نشرها أهالي المدينة على مواقع التواصل الاجتماعي امتلاء مجرى الوادي بالمياه منتصف ليل الأحد. وقال المواطن عصام الدرة: "زادت سرعة تدفق مياه السيل في الوادي بعد لحظات من سماع دوي انفجار قوي، تبين لاحقاً أنه صوت انفجار رباط سد وادي المدينة". وأوضح لـ "العربي الجديد": "شاهدت جانباً من بدايات ارتفاع منسوب تدفق المياه، لكنني غادرت إلى حي شيحة (حي بمدينة درنة يسكنه الدرة) بعدما اصطحبت أمي وأختي". وإثر عودة الدرة إلى المدينة صباح الاثنين، أكد أنه شاهد أحياء شارع سوق الظلام والجامع العتيق والمغار وشارع حشيشة وقد غمرتها المياه بالكامل، مضيفاً: "أكثر المساكن اختفت تماماً، ولم يبق إلا أجزاء من أساسات مبانيها".

وقال المسؤول ببلدية درنة، أحمد المزيني، إن "غرق درنة بالفيضانات أدى إلى انهيار سد وادي المدينة، بعد ساعات من امتلائه بمياه الأمطار القادمة من الأودية المجاورة، في ظل تهالك بنية السد. فالمرة الأخيرة التي خضع فيها للصيانة كانت عام 1986، بالإضافة إلى ارتفاع منسوب المياه". وأضاف أن "الكميات التي تدفقت في مجرى الوادي المار بوسط المدينة في الساعات الأولى كانت من فائض السد، لكن مع تزايد الضغط انفجر السد وانهار قبيل الفجر، واندفعت المياه بقوة وبمنسوب عال جداً بشكل فجائي، ولم يتمكن سكان أحياء البلاد من الجلاء من منازلهم".وأضاف: "مظاهر الحياة معدومة في المدينة. لا محال تجارية ولا كهرباء ولا اتصالات، كما أن شبكة مياه الشرب تسربت إليها مياه الفيضانات. ولهذا، ساعدت فرق الإنقاذ أي أسرة راغبة في مغادرة المدينة"، مشيراً إلى أن الأولوية في عمليات الإجلاء كانت للأسر التي تركت منازلها في أحياء وسط المدينة، قبل وصول الفيضانات، وأقامت في مقار المدارس.

وعن وجهة الأسر اللاجئة، أوضح المزيني أن بعض الأسر اتجهت شرقاً، وخصوصاً إلى مدينة طبرق التي لم يصلها الإعصار. وهناك من لديه أقارب في المناطق المجاورة لدرنة، كمنطقتي مرتوبة وأم الرزم. كما أن بلديات هذه المناطق جهزت مقار حكومية ومدارس لاستقبال النازحين.

وحول الإمكانيات التي توفرت لبلدية المدينة للاستعداد لمواجهة تداعيات الفيضانات، قال المزيني إن "القيادة العامة (قيادة قوات حفتر) سيرت قوافل عسكرية تضم عربات وجرافات للمساعدة في إزالة ركام بعض المباني التي جرفتها السيول للبحث عن مفقودين تحتها، لكن التحدي الحقيقي سيواجه البلدية بعد أسابيع، إذ لا يكفي حصر الأضرار المادية كالمنازل المتضررة، أو تلك التي جرفتها السيول بشكل نهائي، بل المهم هو توفير مأوى للأسر التي فقدت منازلها، والتي يمكنني تقديرها بألف أسرة في أحياء وسط البلاد، فضلاً عن تلك التي تضررت بشكل جزئي".

ولم تعلن بلديات المناطق المنكوبة الأخرى عن الأضرار المادية التي خلفتها السيول، واتجه اهتمام سلطات حكومة مجلس النواب إلى الأوضاع في درنة.