العدد 1574 /9-8-2023

لقي 20 مدنيًا على الأقل حتفهم -اليوم الثلاثاء- خلال تجدّد المعارك العنيفة في الخرطوم وأم درمان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وفي حين حذّرت منظمة (إغاثة) لخطر تفشّي الأمراض؛ نتيجة تحلّل الجثث في شوارع العاصمة، وقالت الأمم المتحدة إن الأوضاع الصحية تشهد تدهورًا حادًا في جميع أنحاء البلاد.

وأعلنت وزارة الصحة السودانية -اليوم الثلاثاء- أن أشخاصًا عدة أصيبوا -أيضًا- إثر الهجمات في مدينة أم درمان المتاخمة للعاصمة الخرطوم.

ويفتقر المستشفى القريب للإمدادات الطبية الضرورية؛ مثل الدم، ويكاد النظام الصحي في البلاد ينهار تمامًا بعد شهور من القتال.

بدورها، وجّهت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان نداء وصفته بالعاجل بوجود "حاجة عاجلة جدًا" إلى فرق جراحية، وإلى التبرع بالدم من كل الفصائل في مستشفى النو بحي الثورة الحارة الثامنة، شمالي مدينة أم درمان.

وقالت اللجنة في بيان على فيسبوك "إن المستشفى تحتاج إلى إسطوانات أكسجين، ومحاليل وريدية"، وفق البيان.

ونبّهتْ إلى أن أحياء مدينة أم درمان القديمة الواقعة وسط القديمة تتعرّض لقصف عنيف بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة، نتج عنه العديد من الإصابات والوفيات، حسب البيان.

ميدانيًا، أفاد مراسل الجزيرة في السودان بأن الطائرات الحربية التابعة للجيش السوداني قصفت مواقع الدعم السريع حول المدينة الرياضية جنوبي الخرطوم.

وذكرت مصادر محلية للجزيرة أن الجيش السوداني يوجّه قصفًا مدفعيًا متتاليًا يستهدف مواقع الدعم السريع بأحياء بري والمنشية والمعمورة والرياض شرقي الخرطوم.

وقال شهود عيان إن أحياء مايو والأزهري والسلمة وجبرة والصحافة جنوب الخرطوم، شهدت اشتباكات عنيفة بين الجيش والدعم السريع، ما أدّى إلى سقوط قذائف على منازل المواطنين.

كما شهدت مدينة بحري شمال الخرطوم، اشتباكات عنيفة خاصة في أحياء كافوري والكدرو والحلفايا وشمبات، ما أدّى إلى تضرر منازل مدنيين إثر قصف عشوائي، وفق الشهود.

وطبقًا للشهود، فإن منطقة بحري شهدت تحليقًا مكثفًا للطيران الحربي والقصف المدفعي، ما تسبّب في تصاعد ألسنة اللهب والدخان.

وتتواصل الاشتباكات بالأسلحة الخفيفة والثقيلة -منذ مساء أمس واليوم- في أحياء بيت المال وود نوباوي وحي العمدة والدباغة وود أرو وأبو روف والكبجاب والصهريج بأم درمان.

من جانبه، أفاد الجيش السوداني بأن قواته أكملت تمشيط أحياء أم درمان القديمة والشهداء وسوق أم درمان واستاد الهلال وود البشير وخور أبوعنجة، وستواصل توجيه الضربات الموجعة بالعدو، لحين تطهير آخر شبر من دنس المتمردين والمرتزقة، على حد وصف البيان.

وقالت قوات العمل الخاص التابعة للجيش السوداني إنها كبّدت الدعم السريع خسائر في الآليات القتالية، وأنها تمكّنت من السيطرة على مقرّ ما وصفتهم بالمليشيا المتمردة في حي الدوحة بأمدرمان، بعد معركة دارت منذ صباح اليوم الثلاثاء.

في المقابل، قالت قوات الدعم السريع إنها حقّقت ما سمّته نصرًا جديدًا على قوات الجيش في محاور عدة بأم درمان.

وذكر بيان للدعم السريع أن قواتهم قتلت 174 من الجيش وأصابت نحو 300 آخرين، كما أسرتْ 83 جنديًا في المعارك التي جرت بين الطرفين بأحياء عدة في أم درمان بالخرطوم.

موجة نزوح جديدة

وأشار مراسل الجزيرة إلى أن عددًا من المدنيين فرّوا تزامنًا مع تجدّد الاشتباكات في أم درمان نحو المناطق الآمنة شمالي الخرطوم، وأُجليتْ أعداد من الجرحى إلى مستشفى النو شمالي أم درمان.

وقال شهود عيان إن لجان المقاومة (ناشطون) عملت على فتح مدارس "أبو بكر الصديق" و"رابعة العدوية" و"الاعتصام" و"الواحة" وعددًا من المنازل شمال أم درمان لاستقبال المواطنين الفارين من أحياء أم درمان القديمة.

ومساء أمس الاثنين، أطلقت "لجان مقاومة أبو روف" نداء إلى سكان المناطق المجاورة لاستقبال النازحين من الحي، إثر ما وصفته بـ"المواجهات المفتوحة" في أحياء أم درمان القديمة بين الجيش والدعم السريع.

وشهد حي أبو روف موجة نزوح عصر أمس الاثنين، بعد تمركز قوة الجيش شمال الحي وغربه، في حين تمركزت قوة الدعم السريع جنوبه وشرقه.

كما أكدت "لجان مقاومة أبو روف" أن كلًا من قوات الجيش والدعم السريع في المنطقة طلبت من السكان إخلاء منازلهم.

ويبعد حي أبو روف مسافة لا تزيد عن كيلومتر من مدخل جسر شمبات بين الخرطوم بحري وأم درمان، وهو الجسر الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع شرقًا وغربًا.

وفي الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، أفاد شهود عيان -أمس الاثنين- بأن المدينة لا تزال تشهد حركة نزوح مستمرة للمواطنين إلى خارجها، لا سيما إلى دولة تشاد المجاورة.

وتشهد نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور أوضاعًا إنسانية بالغة التعقيد، جراء نقص خدمات المياه والكهرباء والأدوية، منذ اندلاع الاشتباكات بين طرفي النزاع، وفق مصادر محلية.

كارثة طبية

إنسانيًا، حذّرت منظمة "أنقذوا الأطفال" الإغاثية، -اليوم الثلاثاء- من خطر تفشّي الأمراض؛ نتيجة تحلّل جثث القتلى في شوارع الخرطوم، التي مزّقتها حرب بين الجيش وقوات الدعم السريع مستمرة منذ أربعة أشهر.

وأفاد بيان صادر عن المنظمة -التي يقع مقرّها في لندن- أن آلاف الجثث تتحلّل في شوارع الخرطوم، مشيرة إلى عدم سعة المشارح لحفظ الجثث من ناحية، وتأثير انقطاع الكهرباء المستمر على نظم التبريد.

وحذّرت من أن ذلك قد يعرّض العائلات والأطفال لخطر متزايد من الأمراض.

ونقلت المنظمة عن نقابة الأطباء السودانية قولها "لم يتبقّ أي طاقم طبي في المشارح، تاركين الجثث مكشوفة على حالتها".

وأكد البيان أن هذا المزيج المرعب من أعداد الجثث المتزايدة، ونقص المياه الحاد، وتعطّل خدمات النظافة والصرف الصحي، يثير مخاوف من تفشي وباء الكوليرا في المدينة.

وسبق لمنظمات إغاثة دولية أن حذّرت من أن موسم الأمطار في السودان -الذي بدأ في يونيو/حزيران الماضي- يمكن أن يتسبّب في انتشار أوبئة؛ مثل: الحصبة والكوليرا، خاصة في ظلّ توقّف نشاطات التلقيح ضد الأمراض، وخروج معظم المرافق الطبية في البلاد خارج الخدمة.

تحذير أممي

وفي سياق متصل، حذّر فرحان حق نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة من تدهور الأوضاع الصحية في جميع أنحاء السودان، بما في ذلك مخيمات اللاجئين، ونقاط الدخول الحدودية، ومراكز العبور حيث يضطر الناس إلى الفرار.

وأضاف حق أن أكثر من 4 ملايين شخص أُرغموا على الفرار داخل السودان وللبلدان المجاورة منذ بداية القتال، من بينهم أكثر من 3.2 ملايين شخص نزحوا داخل السودان

وشدّد على أن الوكالات الإنسانية نشرت موظفين ومتطوعين إضافيين في المخيمات ونقاط الدخول الحدودية ومراكز العبور، لدعم فحص سوء التغذية والخدمات الأخرى، بالإضافة إلى تقديم مساعدات طبية، وتقديم تطعيمات ضد الحصبة للأطفال.

من جانبه، قال برنامج الأغذية العالمي في السودان إنه قدّم مساعدات غذائية طارئة لأكثر من 15 ألف شخص في غرب دارفور الأسبوع الماضي.

وأضاف البرنامج أن تحسين الوصول إلى المناطق المتضررة يظلّ أمرًا ملحًّا، من أجل دعم المزيد من الأشخاص المتأثرين بالنزاع.

ومنذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، يخوض الجيش والدعم السريع اشتباكات لم تفلح سلسلة هدنات في إيقافها، مما خلّف أكثر من 3 آلاف قتيل، أغلبهم مدنيون، حسب الأمم المتحدة.

ويتبادل الجيش -بقيادة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان- والدعم السريع -بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"- اتهامات بالمسؤولية عن بدء القتال، وارتكاب انتهاكات خلال الهدنات المتتالية.