1570/12-7-2023

محمد عبد ربه

بعد صراع قضائي استمر نحو خمسين عاماً في محاكم الاحتلال الإسرائيلي، تخللتها عشرات جلسات الاستماع والمرافعات، اقتحمت قوات الاحتلال، في وقت مبكر من صباح اليوم الثلاثاء، منزل المواطنة المقدسية نورا غيث صب لبن، وسلّمته للمستوطنين ليسيطروا عليه.

حدث ذلك بينما كانت صب لبن في منزل نجلها، في بلدة شعفاط شمالي القدس، لأخذ قسط من الراحة بعد أن كانت أُدخلت المستشفى، إثر أسبوع حافل بالفعاليات الاحتجاجية، في حين تواجد زوجها ونجلها أحمد، وعدد من المتضامنين الأجانب في المنزل.

وبعد أن تسلم عشرات المستوطنين المتطرفين المنزل، شرعوا على الفور في استبدال مفاتيحه وإجراء تغييرات فيه، بالتزامن مع وصول أعداد إضافية منهم محتفلين بالسيطرة على كامل المبنى المكون من أربعة طوابق، والذي استولوا فيه على عدد من شققه السكنية قبل سنوات.

وعقب سيطرة المستوطنين على المنزل، توافد العشرات من المتضامنين الأجانب، ونشطاء سلام إسرائيليون، لينظموا احتجاجات في المكان، هاتفين ضد الاحتلال ومستوطنيه، واصفين إياهم باللصوص، ومؤكدين دعمهم ومساندتهم لعائلة المواطنة صب لبن التي حضرت لاحقا لموقع المنزل، مستندة إلى كتف نجلها أحمد.

وفي حديث لوسائل الإعلام التي تواجدت في المكان، أكدت صب لبن أن "صراعاً استمر 47 عاماً لن يقفل ولن ينتهي بمجرد استيلاء المستوطنين على المنزل"، معتبرة أن منزلها "أسير إلى أن يتحرر، ويعود لأبنائي وأحفادي مهما طال الزمن".

ووصفت المواطنة صب لبن أن ما حدث "عمل لصوصي وسرقة، بدعم وحماية من شرطة الاحتلال التي وفرت الإسناد للمقتحمين".

وناشدت صب لبن العالمين العربي والإسلامي، وشعوب العالم الحرة، للوقوف إلى جانبها ومساندتها في وجه المستوطنين المجرمين والمزورين، وحذّرت من أن المسجد الأقصى الذي لا يبعد سوى أمتار قليلة عن المنزل "مهدد هو الآخر من قبل المستوطنين الذين يدنسونه يومياً".

اعتدت قوات الاحتلال على عدد من الطواقم الصحافية والمتضامنين مع العائلة، ولم تفعل شيئاً حيال استفزازات المستوطنين الذين تجمعوا عند مدخل المنزل، وعلى سطح المبنى المستولى عليه، وبدأوا بإطلاق عبارات عنصرية.

وكانت محكمة الاحتلال العليا أصدرت، نهاية مايو/ أيار الماضي، قراراً نهائياً باخلاء عائلة صب لبن لمنزلها، وأمهلتها حتى 10 يونيو/ حزيران الماضي للتنفيذ، لكن العائلة رفضت في حينه تنفيذ القرار.

وهدم المستوطنون، قبل عدة أعوام، الجدار الفاصل بين العقار ومخزن العائلة، ومنه تسللوا إلى المخزن ليباشروا مزيداً من أعمال الحفر والهدم وتغيير المعالم، قبل أن يوقفهم خبراء من سلطة الآثار الإسرائيلية، دون أن يطلب منهم مغادرة المكان، فيما منعت قوات الاحتلال أفراد العائلة من دخول المخزن، بدعوى أن قراراً من محكمة إسرائيلية صدر في العام 2001 يمنعهم من ذلك بعد الإخلاء، ومثل هذا القرار تجدد في العام 2014.

وقررت المحكمة العليا في 2016 إبقاء العائلة بمنزلها لمدة عشر سنوات، واستثنت المخزن من القرار، بينما بقي أمر الاستيلاء عليه وتمكين المستوطنين منه قائماً، وبالتالي ظل هؤلاء داخل المخزن وما زالوا متواجدين فيه بحماية قوات الاحتلال التي سارعت إلى التذرع بقرار المحكمة لضمان بقاء المستوطنين فيه.

يروي المقدسيون، ومنهم المربي هايل صندوقة، خبير الاستيطان والعقارات في البلدة القديمة من القدس، حكاية مواطنة مقدسية أخرى هي نائلة الزرو، التي قطنت ذات العقار الذي استولى مستوطنون عليه من الحاجة رفيقة السلايمة.

ويشير صندوقة إلى أن المواطنة الزرو كانت خاضت هي الأخرى صراعاً لأكثر من عشرين عاماً مع المستوطنين، مرة تسترد العقار ومرة أخرى يستولون عليه، إلى أن تمكنوا من السيطرة عليه بصورة نهائية، مدعومين بغطاء سياسي، وبما أصدرته محاكم الاحتلال المختلفة من قرارات لصالح المستوطنين.

وكانت بداية صراع نائلة الزرو مع هذه الجمعيات الاستيطانية في مستهل ثمانينيات القرن الماضي، حين استغلوا غيابها لدى مرافقتها لوالدتها التي كانت في رحلة علاج بالأردن، ليقتحموا المنزل ويستولوا عليه، وحين عادت خاضت صراعاً مريراً معهم في المحاكم، فاستردته ومكثت فيه لسنوات، ثم استأنف المستوطنون وعادوا إليه بقرار من محكمة إسرائيلية مكنتهم من السيطرة عليه نهائياً.

مقابل مخزن عائلة المواطنة نورا صب لبن، ومن فوقه وحوله، تنتشر العديد من البؤر الاستيطانية لجمعيتي "عطيرت ليوشناه" وعطيرت كهانيم"، إضافة إلى المقر العام للجمعيات الاستيطانية في ذات الحي، حيث يقيم متتياهو دان، عراب الاستيطان اليهودي في البلدة القديمة من القدس، وتطل مكاتبه على البلدة القديمة وعلى المسجد الأقصى من ناحية الغرب، بينما تحولت أسطح المباني فوق المكاتب إلى مسارات للمستوطنين في تنقلهم بين البؤر الاستيطانية في البلدة القديمة، وما يعرف بالحي اليهودي الذي أقيم على أنقاض حارة الشرف الفلسطينية عشية حرب يونيو/حزيران عام 1967.

وفق معطيات عرضها صندوقة في وقت سابق على "العربي الجديد"، فإن نحو 100 بؤرة استيطانية في عشرات العقارات تمكن المستوطنون من الاستيلاء عليها منذ العام 1967، علما بأن بدايات عمليات الاستيلاء هذه كانت بعد مقتل مستوطن يهودي يدعى إلياهو عميدي في العام 1983، طعنا على يد شابين فلسطينيين من مدينة جنين.

ويقطن هذه البؤر الاستيطانية عشرات من غلاة المستوطنين المتطرفين وجنود وضباط سابقون تحولوا إلى التدين والتطرف اليميني، بالإضافة إلى مجموعات تطلق على نفسها "التائبون" (كانوا تورّطوا في جرائم خطيرة)، ويلقبون بـ"يهود العالم السفلي"، كانوا تحولوا أيضا إلى جمعيات الاستيطان المتطرف، وباتوا نشطاء فيها، سواء في مدارسها التلمودية المتاخمة للأقصى، أو في الكنس اليهودية، سواء تلك التي في باطن الأرض، أو حول الأقصى والقريبة منه، ومن هؤلاء من يتدربون على مهام كهنة الهيكل الذين يتولون إدارة شؤون ما يسمى الهيكل المزعوم، بعد بنائه على أنقاض المسجد الأقصى.