العدد 1585 /25-10-2023

مصطفى عبد السلام

إذا كان الاحتلال قد سوّى نصف غزة بالأرض وألحق بمبانيها وبنيتها التحتية ومرافقها خسائر فادحة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، فإن دولة الاحتلال تعاني أيضاً، وتتألم بشدة كما نتألم.

فالاقتصاد الإسرائيلي بات ينزف بقوة، وتتراكم خسائره يوماً بعد يوم والفاتورة مفتوحة، ورقم الخسائر قد يصدم حكومة نتنياهو بعد انتهاء الحرب كما صدمها أداء المقاومة الفلسطينية يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، حينما عرّى أكذوبة الجيش الذي لا يقهر ومزاعم دولة الأمان والاستقرار في المنطقة.

الشيكل، وهو المؤشر الأسرع لقياس أداء الاقتصاد، يواصل تهاويه، ليسجل أطول سلسلة خسائر منذ 39 عاماً أمام الدولار، ويصل إلى أدنى مستوى له، وبنك إسرائيل المركزي يفشل في وقف هذا التهاوي، رغم إعلانه ضخّ 45 مليار دولار في الأسواق، منها 30 مليار دولار لدعم العملة مباشرةً.

والرقم الذي ضُخَّ يتجاوز 20% من إجمالي احتياطيات البنك المركزي البالغة 200 مليار دولار، وهو رقم ينم عن ذعر صانع القرار الاقتصادي في إسرائيل من فداحة الخسائر والمخاطر الجيوسياسية والمالية.

ومع استمرار الحرب على غزة وتكاليفها الباهظة على دولة الاحتلال، من المتوقع تهديد الاحتياطي الأجنبي بالنفاد إذا ما واصل البنك المركزي سياسة الدفاع عن الشيكل، وواصل المستثمرون الهروب من دولة الاحتلال.

وتعمقت ظاهرة "الدولرة"، وتخلص الإسرائيليون من عملتهم المتهاوية، وتعطل الإنتاج في القطاعات المدرة للنقد الأجنبي، مثل السياحة والطيران وصناعات التكنولوجيا والتقنية والأدوية والطاقة المتجددة وإنتاج الغاز الطبيعي وغيرها.

يصاحب تهاويَ الشيكل تهاوٍ في قطاع آخر، هو البورصة التي خسرت نحو 10% من قيمتها السوقية منذ اندلاع الحرب، وخسرت أسهم البنوك 27% رغم المساندة الحكومية والدعم السخي من البنك المركزي.

فقد واصل المستثمرون الهروب من بورصة تل أبيب وبيع محافظهم المالية والأسهم مع استمرار هجمات المقاومة على تل أبيب وغيرها من المدن الإسرائيلية.

ومع توقعات حدوث تراجع حاد في الصادرات الإسرائيلية، بما فيها الصادرات العسكرية، فإن إيرادات الدولة من النقد الأجنبي ستتراجع، وهو ما يضعف قدرة البنك المركزي على دعم العملة، وربما سداد أعباء الدين الخارجي.

يدعم ذلك التراجع أسباب عدة، أبرزها استدعاء 360 ألفاً من جنود الاحتياط الذين كانوا يعملون في المصانع ومراكز الإنتاج وشركات الشحن والنقل والتصدير والتجارة والتعليم والاتصالات والطاقة والقطاع المصرفي والمالي وغيرها.

ومن شأن هذا الاستدعاء أن يضرّ كثيراً بالاقتصاد الإسرائيلي ومعدل النمو ويرفع التضخم ويخلق موجة غلاء في الأسواق.

فهذه الأعداد الضخمة من الجنود سُحبَت من سوق العمل الذي يعاني أصلاً من ندرة، وبالتالي تعطل الإنتاج، كذلك يمثّل هذا العدد عبئاً على موازنة الدولة، حيث يحتاج إلى تجهيزات وتدريب وغذاء ومأوى وغيرها.

أيضاً توقف أكثر من 150 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية وغزة عن العمل داخل دولة الاحتلال، مع صعوبة جلب إسرائيل عمالة بديلة من جنوب شرق آسيا، في ظل أوضاع الحرب والمخاطر القائمة، وهو ما يؤثر كثيراً بالإنتاج في قطاعات حيوية مثل الزراعة والتجارة والبناء والتشييد.

أيضاً إن اهتزاز ثقة العالم بأداء الآلة العسكرية والصناعات الدفاعية، بما فيها القبة الحديدة التي فشلت في صد صواريخ المقاومة في الأيام الأولى للحرب يمكن أن يؤثر في الصادرات العسكرية التي تجاوزت قيمتها 12.5 مليار دولار في العام الماضي، ذهب ربعها إلى دول عربية.

ولا ننسى أن ملف المقاطعة يمكن أن يؤثر أيضاً في الصادرات الكلية لدولة الاحتلال التي تجاوزت 160 مليار دولار في العام الماضي، خصوصاً مع اتساع رقعة المقاطعة والضغط على سلع الدول الداعمة للاحتلال.

كذلك، يمكن أن تؤثر الحرب باتفاقية الكويز الموقعة بين مصر وإسرائيل وأميركا، وتسمح للمنتجات المصرية بالدخول إلى الولايات المتحدة دون جمارك أو حصص، شرط ألّا يقلّ المكون الإسرائيلي في هذه المنتجات عن 11.7 في المئة.

الحرب ستعمّق أيضاً عجز الموازنة الإسرائيلية في أمرين: الأول هو التراجع الحاد المتوقع، سواء في إيرادات الدولة من ضرائب ورسوم، والثاني تكاليف الحرب الباهظة.

ويكفي القول إنه على صعيد العملية العسكرية، تشير الأرقام إلى أنّ من المتوقع أن تبلغ تكاليف يوم الحرب الواحد ضد قطاع غزة أكثر من 200 مليون دولار.

إنهم يألمون بشدة داخل دولة الاحتلال من تداعيات الحرب مع طول أمدها كما أكد نتنياهو أمس مثلما يتألم سكان غزة أو نألم نحن على أهالينا الشهداء والمصابين والمشردين في القطاع.