العدد 1585 /25-10-2023

نايف زيداني

في وقت تسود حالة من الضبابية في إسرائيل حول موعد العملية البرية المنتظرة في قطاع غزة، التي أعلن عنها جيش الاحتلال في أكثر من مرة، تتعمق الثقة بين المستوى السياسي وقادة الجيش، بحسب ما يراه الكثير من المراقبين الإسرائيليين.

خصوصاً أن هذه القضية، بحسب بعض المسؤولين الإسرائيليين، تتداخل مع قضية الأسرى الموجودين بقبضة حركة حماس في غزة، حيث يرى هؤلاء أنه يجب استنفاد كافة الإمكانيات لاستعادتهم، خصوصاً أن هنالك أسرى يحملون الجنسية الإسرائيلية فقط دون جنسية أجنبية، وهو ما يصعب عملية التفاوض.

في السياق ذاته، أشار المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، اليوم الثلاثاء، إلى أن "الانتظار الطويل لعملية برية في قطاع غزة يوتّر أعصاب الجمهور والجيش والحكومة"، مضيفاً أن استمرار التأخير في اليوم الثامن عشر للحرب، مع وجود طلب أميركي بإعطاء فرصة أخرى لتحرير الأسرى، يزيد من مخاوف تدهور إضافي مع "حزب الله" اللبناني وإيران، ويعزز الشكوك بشأن جودة المناورة البرية المطلوبة والنتائج التي يمكن أن تحققها.

وبعد إفراج حركة حماس عن أربعة محتجزين حتى الآن، والحديث عن إمكان الإفراج عن المزيد خاصة ممن يحملون جنسية مزدوجة، يرى الكاتب أن حماس لديها مصلحة في الإفراج عن جزء منهم وكسب الوقت لتأخير العملية البرية. كما يرى أن صفقة إفراج جزئية عن الرهائن تفيد حماس بعض الشيء في تخفيف الضغط الدولي الممارس عليها.

لكن المحلل الإسرائيلي أشار في الوقت ذاته، إلى أن "إسرائيل منزعجة من الرسالة الصعبة التي ترافق إطلاق سراح من لديهم جنسية أجنبية فقط، ومفادها أن حياة مواطنيها (ناهيك بالجنود المختطفين) أقل قيمة من حياة مزدوجي الجنسية".

وذكر الكاتب أن "حماس تستغل ذلك في الحرب النفسية"، مع هذا يعوّل الجمهور على موافقة حكومة الاحتلال على صفقة من هذا النوع، ويعتقد أنه لا يمكن رفضها.

ويرى أرئيل أن انتظار تحقيق صفقة بشأن الأسرى تساهم في تأخير العملية البرية، لكنه ليس السبب الوحيد، مشيراً في هذا السياق إلى الخلافات بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن يوآف غالانت، الممتدة منذ أشهر على خلفية التعديلات القضائية، يضاف إليها في الأيام الأخيرة رفض نتنياهو اقتراح غالانت بتوجيه ضربة استباقية إلى "حزب الله".

وفي حديثه مع الإذاعة العبرية "ريشت بيت"، اليوم الثلاثاء، قال الجنرال في جيش الاحتياط الإسرائيلي إسحاق بريك، الذي لجأ إليه نتنياهو لاستشارته بشأن الاجتياح البري، إنّ "العجلة من الشيطان"، وإنّ جيش الاحتلال غير مستعد للاجتياح البري حالياً، مؤكداً أنه حذّر نتنياهو من ذلك وطالبه بالانتظار.

ووجه بريك في السنوات الأخيرة انتقادات كثيرة للمستوى الأمني في إسرائيل، ودعا لتجهيز الجيش لحرب متعددة الجبهات.

وأضاف بريك في حديثه اليوم: "الجيش غير جاهز. دخوله قد يقود إلى تدهور الوضع إلى حرب إقليمية. ستتواجد قوات كبيرة داخل غزة وتتعرض لنيران كثيفة لعدة أشهر. وسيبقى عشرات الآلاف غيرهم داخل الأنفاق. العجلة من الشيطان".

وتابع الجنرال أن الحل بالنسبة لإسرائيل هو "مواصلة القصف من الجو (لقطاع غزة) بدلاً من دخول معقلهم (أي معقل المقاومة). تجب محاصرتهم لعدة أشهر. يجب الوصول إلى وضع لا يمكنهم فيه استلام الوقود والماء والغذاء. إضعافهم بكل القوة. خلال هذه الأشهر يتدرب الجيش ويستعد للحرب".

من جهته، أفاد موقع "يديعوت أحرونوت"، اليوم الثلاثاء، بأن قضية الإسرائيليين المحتجزين في غزة، الذين يصل عددهم إلى نحو 210 أسرى، تشكّل عنصراً مهماً في اعتبارات المستوى السياسي الإسرائيلي.

وأكد الموقع إنّه في حال كان المستوى السياسي مهتماً بقضية الأسرى، فإن هذا قد يعني تغيّر بعض التوجهات الإسرائيلية، التي بدت في الأيام الأولى لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة، أقل اهتماماً بالقضية، مقارنة باهتمامها بالانتقام من عملية "طوفان الأقصى".

وتابع الموقع أن إفراج "حماس" عن أسيرتين لأسباب إنسانية، أمس الاثنين، لا يشكّل بشرى سارة فقط، وإنما فرصة ليفهم الجمهور الإسرائيلي بشكل معمّق صورة الوضع الاستراتيجي، في ظل التوقعات لبدء عملية برية.

وبما يتوافق مع ما ورد في "هآرتس"، اعتبرت "يديعوت أحرونوت" بدورها أن حماس تمارس حرباً نفسية في قضية الأسرى، لإعاقة العملية البرية.

ونقل الموقع عن مسؤول إسرائيلي رفيع من صناع القرار، لم يسمه، قوله إنّ "من أهداف الحرب أيضاً إعادة المختطفين، ويجب استنفاد فرص عودتهم. حتى لو تأخرت المناورة (البرية)، فلن يتذكر أحد متى بدأت بالضبط".

ونقل الموقع عن مسؤول في هيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، لم يسمه، قوله إنّ "التوازن بين الرغبة في التوصل إلى صفقة معقولة (بشأن الأسرى) وضرورة ضرب حماس إلى حد القضاء على كل قوتها في غزة، هو موضوع يتم التعامل معه أيضاً في الجيش. لن يتم إيقافنا. هناك نقاش مهم وجدي مع المستوى السياسي".

وتقف إسرائيل حائرة، بحسب الموقع، حول كيفية التعامل مع قضية المحتجزين والقبول بصفقة تشمل مثلاً المحتجزين الذين يحملون جنسيات أجنبية، ما قد يعيدهم إلى البيت، لكنه سيرسل رسالة إشكالية جداً لمن يحملون الجنسية الإسرائيلية فقط بأن الحكومة تتخلى عنهم.

وتشدد هيئة الأركان، بحسب الموقع ذاته، على أنه لا مفر من الاجتياح البري، من أجل تحقيق الأهداف التي حددها المجلس الوزاري لشؤون الحرب (كابينت الحرب)، فيما يؤكد جيش الاحتلال أنه يجب القضاء على "حماس" كلياً، بالإضافة إلى وضع قائمة شخصيات لاغتيالها.

وتؤكد مصادر الموقع الإسرائيلي أن الأهداف لن تتحقق بدون التوغل البري. كما ينظر الجيش بشكل مختلف إلى قضية الأسرى، مدعياً أن تطويق الذراع العسكرية لـ"حماس" سيزيد من فرص إطلاق سراح المحتجزين، بسبب الضغوط الشديدة عليها.