العدد 1585 /25-10-2023

عثمان لحياني

بماذا كانت تفكر المقاومة الفلسطينية عندما أطلقت هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول؟ يبدو هذا السؤال الأكثر إلحاحاً على مستوى التقدير السياسي. بلا أدنى شك، كانت المقاومة تدرك -وهذا أمر بديهي- أن العدو يتفوق كثيراً على مستوى موازين القوة، والتكافؤ اللوجستي، والموقف السياسي، وأنه سيردّ بكثير من القسوة على هزيمته النفسية والسياسية أكثر من هزيمته على الأرض، لكنها لم تتردد مع ذلك في إطلاق الهجوم الكبير.

للمقاومة أسبابها ودوافعها، وهي كثيرة، وفي الحقيقة كثير من الأسباب ليست سراً، فقد كانت مكشوفة للجميع؛ الإسرائيليون أنفسهم كانوا يدركون أن السياسات التي تنتهجها الحكومات فائضة التطرف، ستؤدي إلى لحظة عنيفة وسترتد إلى حريق ثوري غير مسبوق. وبعد أكثر من أسبوعين، ظهر أن المقاومة خلطت الأوراق، وبعثرت المسارات التي كانت تتوجه نحو تصفية القضية الفلسطينية، وقطعت الطريق على ترتيبات كانت تتم باتجاه تركيز مشاريع تتجاوز الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وفي لحظة من التاريخ كاد العالم ينسى أن هناك قضية تستدعي الحل، وشعباً بحاجة إلى دولة، وكانت دول عربية بعينها بصدد أن تُجهز على ما بقي من الحق الفلسطيني باسم التعايش والتطبيع.

نجح مشروع المقاومة سياسياً في جعل العالم يقف على رجل واحدة، كل العالم داخل المأزق مشدود ومنتبه إلى الحالة الفلسطينية برمتها. يفهم العالم الآن بكل وضوح أنه لا سلام ولا أمن من دون إقامة دولة فلسطينية، ويردد قادة الدول ذلك، وقادة الكيان أنفسهم يطرحون سؤالاً آخر، أنه في حال القضاء على الجسم العسكري للمقاومة، من يضمن القضاء على مشروعها السياسي الذي توسع الآن، وبات له أنصار في المجتمع الغربي نفسه؟

كان على المقاومة خلط الأوراق، وليس عليها إعادة ترتيبها، فليس بالضرورة كل ما يريده الكيان المحتل ومن ورائه الغرب هو الذي يكون، والتاريخ السياسي للصراع في المنطقة أثبت ذلك، وتجارب احتلال استيطاني بنيت على مشاريع وخطط لتغيير الجغرافيا وتجريف التاريخ، لم تصمد طويلاً، كما حدث في الجزائر.

لا أحد يملك في الوقت الحالي إمكانية إعادة ترتيب أوراق المنطقة من دون أن يكون للخطوط السياسية للمقاومة دور في ذلك، بما يحفظ للشعب الفلسطيني انتصاره الكبير، ويعيد فرض استحقاقاته المشروعة، بغضّ النظر عن التضحيات القاسية والموجعة.

هناك عامل يجعل من ترتيب الأوراق مسألة معقدة بعد هجوم السبت الكبير، ذلك أن ارتدادات كبيرة داخلياً قد تشمل دولاً عربية لديها تفاهمات مع الكيان وموقف ضد المقاومة، قد تكون شبيهة بارتدادات ما بعد حرب عام 1948، خصوصاً بالنسبة إلى الدول التي صعدت إلى الشجرة ولم تستطع النزول منها، مصر والأردن مثلاً. سيحتاج كلاهما إلى سلّم إسرائيلي في حال تحقيق الاحتلال هدف إنهاء المقاومة، أو إلى سلّم أميركي في حال تعقُّد الأمور إلى مستوى يتطلب توظيف خط القاهرة الاتصالي مع المقاومة لوضع ترتيب ما.