فهمي هويدي

القنبلة الصحفية التي فجرتها صحيفة «هاآرتس» وأحدثت دويّها في مختلف أرجاء العالم العربي، فاجأت الإعلام المصري وأربكته. فبعض الصحف التي صدرت يوم الاثنين ٢٠/٢ (التالي لإذاعة الخبر) ألجمتها المفاجأة فتجاهلت الموضوع على خطورته، وادّعت أنها لم تسمع به (الجمهورية - اليوم السابع - البوابة). البعض الآخر تلعثم في نشر الخبر وحاول تمييعه وتخفيف وقعه على القارئ، سواء من خلال الإشارة إلى أن مضمونه مجرد «مزاعم» إسرائيلية، أو بالتركيز على أنه مسكون بالمغالطات، أو بإعطاء الأولوية لبيان المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الذي قال إن مصر لا تدخر جهداً للتدخل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية دون مزايدات، (الأهرام والأخبار والوطن)، وهي عبارة وردت في البيان الذي كان رداً على قنبلة الصحيفة الإسرائيلية. وبعدما نشرت الخبر على عمود واحد في الصفحة الأولى، ونسبته في الداخل إلى مزاعم إسرائيلية، فإن جريدة «المصري اليوم» أبرزت في عنوان عريض بالداخل تعليقاً لأحد الذين يدّعون أنهم خبراء في الشأن الإسرائيلي قال فيه إن ما نشرته الصحفية الإسرائيلية «عار تماماً من الصحة»، وفي حين أن الأمر بدا غائماً وغامضاً لدى قارئ ست صحف مصرية، فينبغي أن يحسب لجريدة «الشروق» أنها وحدها التي أفهمت القارئ حقيقة الحكاية، فنشرت خلاصة للخبر الكبير الذي انفردت به الصحيفة الإسرائيلية. كما نشرت بيان الرئاسة المصرية تعليقاً عليه، وجاء العنوان الرئيسي للصفحة الأولى كالتالي: تفاصيل قمة سلام سرية فاشلة في العقبة عام ٢٠١٦. وتحت العنوان الذي أبرز باللون الأحمر، وردت عناوين أخرى هي: هاآرتس: القمة جمعت السيسي وعبد الله الثاني ونتن ياهو وكيري - الخارجية: ليست لدينا معلومات - الرئيس: التوصل إلى حل عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية يحقق التنمية لدول المنطقة.
تلك ملاحظة شكلية أولى على تعامل الصحافة المصرية مع إفشاء إسرائيل لأول مرة خبر اجتماع الرئيس السيسى مع نتنياهو في حضور ملك الأردن ووزير الخارجية الأمريكي في العقبة يوم ٢١ شباط من العام الماضي (٢٠١٦) وهو بالمناسبة الخبر الذي قد يفسر لنا الآن لماذا فاجأنا الرئيس السيسى يوم ١٧ آذار من نفس العام بحديثه عن «السلام الدافئ» مع إسرائيل، أثناء افتتاح بعض المشروعات في أسيوط، ذلك أن استخدامه المصطلح لأول مرة تم بعد نحو ثلاثة أسابيع من اجتماع العقبة السري.
الملاحظة الشكلية الثانية أن الطرف الفلسطيني كان غائباً في اجتماع بحث المصير الفلسطيني، وهو ما يعدّ قرينة على الاتجاه إلى محاولة ترتيب الأمر عربياً وإسرائيلياً أولاً لفرض ما يتفق عليه على الفلسطينيين.
لدي ملاحظة ثالثة تتعلق بتوقيت إذاعة الخبر، إذ لست أخفي أنني ممن لا يحسنون الظن بكل ما يصدر عن الإسرائيليين، واعتبر أنهم أولى بأن ينطبق عليهم القول المأثور: كاذبون وإن صدقوا. هذه الخلفية دعتني إلى التساؤل: لماذا يذاع الخبر الآن بعد نحو عام من وقوع الاجتماع السري؟ صحيح أن المعلق السياسي لصحيفة هاآرتس باراك رافيد صاحب السبق الصحفي، قال إنه تحدث مع موظفين كبار من المحيطين بوزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، إلا أن هناك شكوكاً في أن لنتن ياهو أو فريقه دوراً في عملية التسريب. وهو ما لا أستبعده لأنه أكثر المستفيدين من العملية، رغم أن معارضيه هاجموه واعتبروا أنه ضيَّع فرصة نادرة لإحلال السلام مع الفلسطينيين.
هناك ثلاثة أسباب تؤيد الافتراض بأن نتن ياهو وراء تسريب خبر الاجتماع السري هي:
- أن الرجل أراد أن يخلط الأوراق ويقلب الطاولة على الجميع بعد عودته مستعلياً ومنتشياً من اجتماعه مع الرئيس الأمريكي في واشنطن، إذ اطمأن إلى أنه أصبح بمقدوره أن يتحلل من كل الوعود والتفاهمات التي طرحت في السابق، سواء في ما يخص قضية الدولتين أو العودة إلى حدود عام ١٩٦٧ أو القرارات والأحكام الدولية. كما أصبح في موقف يسمح له بتحدي قرار منع الاستيطان والشروع في ضم الجولان بعد الضفة الغربية. وقد شجعته على كل ذلك حالة الفوضى والانفراط المخيم على العالم العربي.
- أن يكون قد أراد بالصدمة التي حدثت أن يمهد لفكرة الحل الإقليمي التي ترددت أخيراً، بتهيئة الرأي العام لمشروع تحالف إسرائيل مع بعض الدول العربية دون المرور بالموضوع الفلسطيني، كأنما أراد أن يقول إن الأمر ليس مفاجئاً، وإن إجراءات التحالف حاصلة فعلاً، ولكن بعض القادة العرب يتحرّجون من إعلانها.
- أن يكون قد أراد أن يصرف انتباه الرأي العام الداخلي عن اتهامه بالفساد والتحقيقات الجارية معه وزوجته بهذا الخصوص، وهي التي ينفخ فيها معارضوه ويطالبون بمحاكمته جراء ما نسب إليه.