العدد 1585 /25-10-2023

محمد أمين

أقرت الولايات المتحدة بتعرّض أكبر قواعد التحالف الدولي ضد الإرهاب في سورية لهجوم جديد، يُرجح أن يكون من إحدى المليشيات الموالية لإيران، وهو ما قد يفتح الطريق لصدام عسكري بين الأميركيين والإيرانيين في سورية، على خلفية ما يجري في فلسطين المحتلة من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة.

وأعلنت القيادة المركزية الأميركية (سينتكوم)، أمس الأول الاثنين، عبر منشور على "إكس" (تويتر سابقاً)، أن الجيش الأميركي دمر طائرتين مسيّرتين هجوميتين حاولتا الاقتراب من قاعدة التنف التابعة للتحالف الدولي في المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي. وأشارت إلى أن القوات الأميركية في حالة "التأهب الشديد"، وتراقب الوضع في المنطقة، مؤكدة أنها ستتخذ الإجراءات كافة للدفاع عن القوات الأميركية وقوات التحالف، موضحةً أنه "لا يوجد ضحايا أو أضرار بعد إسقاط مسيّرتين بسورية".

من جهته، كشف فصيل "المقاومة الإسلامية في العراق"، الاثنين، أنه استهدف قاعدة التنف التابعة لقوات التحالف الدولي في منطقة الـ"55 كيلومتراً" بريف حمص الشرقي، وقاعدة روباريا في منطقة المالكية بريف محافظة الحسكة الشمالي، شمال شرقي سورية. كما أعلن الفصيل المدعوم من الحرس الثوري الإيراني، ليل الاثنين، عن استهداف قاعدة حقل العمر النفطي بريف دير الزور الشرقي، واستهداف قاعدة الشدادي بريف محافظة الحسكة الجنوبي، مشيراً إلى أن الاستهدافات تمّت بطائرات مسيّرة "أصابت الأهداف ضمن القاعدتين بشكلٍ مباشر".

ورصد المرصد السوري لحقوق الإنسان، 6 عمليات قامت بها المليشيات خلال الأيام القليلة الماضية على قواعد تابعة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، 2 منها كانت على قاعدة التنف، و2 على قاعدة حقل العمر النفطي، و1 على قاعدة حقل كونيكو للغاز، و1 على القاعدة الأميركية في روباريا. كما تعرضت قاعدة التنف في 19 أكتوبر/تشرين الأول الحالي لهجوم بثلاث مسيّرات لم تستطع الوصول إلى أهدافها بسبب تصدي القاعدة لها.

وتقع قاعدة التنف، التي أنشأها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عام 2014، غربي الحدود العراقية، وتبعد نحو 22 كيلومتراً عن الحدود السورية - الأردنية، وهي من أهم القواعد العسكرية للتحالف الدولي في سورية. وأقام التحالف حزاماً حول القاعدة بعمق 55 كيلومتراً، تنشط فيه فصائل سورية معارضة منضوية ضمن "جيش سورية الحرة"، ويمنع على أي قوات معادية للتحالف الاقتراب منه.

في غضون ذلك، أفادت شبكات إخبارية بأن التحالف الدولي يجري تدريبات بالذخيرة الحية في قاعدته العسكرية بمدينة الشدادي، جنوبي الحسكة. ويبدو أن واشنطن تتحسب من تصعيد الهجمات على قواتها في جميع أرجاء الشرق الأوسط، خصوصاً في العراق وسورية حيث تنتشر مليشيات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي، مساء الاثنين، إن إيران في بعض الحالات "تسهّل بدأب" هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة لجماعات مدعومة منها على قواعد عسكرية أميركية في العراق وسورية.

وأضاف أن هناك زيادة في مثل هذه الهجمات في الأيام القليلة الماضية، لكن الولايات المتحدة لن تسمح للتهديدات التي تواجه مصالحها في المنطقة "بالمضي من دون ردع". وأعرب كيربي عن "القلق الشديد من احتمال حدوث تصعيد كبير لهذه الهجمات في الأيام المقبلة"، مشدّداً على أنه "لن نسمح لأي تهديد لمصالحنا في المنطقة أن يمر من دون رد".

وتزداد المؤشرات على قرب صدام إيراني أميركي ربما لن يتوقف عند حدود استهداف القواعد الأميركية بطائرات مسيّرة. وقد يكون الشرق السوري ساحة تصعيد من قبل المليشيات الإيرانية، وهو ما يُتوقع أن ترد عليه واشنطن وقد تصل لاستهدف قواعد هذه المليشيات المتمركزة في ريف دير الزور الشرقي بين مدينتي الميادين والبوكمال على الحدود السورية العراقية.

لكن المحلل العسكري النقيب عبد السلام عبد الرزاق رأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن "التصعيد لن يتعدى حدود إرسال مسيّرات من قبل الإيرانيين إلى القواعد الأميركية من دون إحداث ضرر، وذلك في سياق التناكف السياسي بين الدولتين لا أكثر".

وتابع: "لا أتوقع إطلاقاً أي صدام واسع النطاق في سورية بين الأميركيين والإيرانيين. طهران لن تدخل الصراع الدائر في فلسطين المحتلة عبر استهداف الأميركيين بشكل واسع في سورية". واعتبر عبد الرزاق أن واشنطن "تحرص كما يبدو على عدم التصعيد"، مضيفاً: "هي قادرة على القضاء على أي مصدر خطر في سورية، فعسكرياً لا توجد مقارنة بين القدرات العسكرية الأميركية والقدرات الإيرانية في سورية".

وتتمركز القوات الأميركية، بشكل دائم أو مؤقت، في مناطق مختلفة من سورية، ضمن خريطة انتشار جعلتها أشبه بالطوق الذي يحيط بمنابع النفط والغاز السوري في منطقة شرق نهر الفرات، داخل مناطق تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).

ولهذه القوات العديد من القواعد في منطقة شرق نهر الفرات، أبرزها قاعدة العمر، وقاعدة كونيكو، إضافة إلى قاعدة مطار رميلان، حيث الآبار النفطية التي تخضع لسيطرة "قسد". ومن القواعد الهامة قاعدة الشدادي، التي تحتوي على مهبط للطائرات المروحية ومعسكر للتدريب.

وكشف المحلل السياسي أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المناوشات بين الإيرانيين والأميركيين في سورية "موجودة من قبل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة"، مضيفاً: "سورية ميدان توجيه رسائل سياسية بين الفاعلين في الأزمة السورية قبل العدوان، وكانت رسائل غير مباشرة ومحدودة ومضبوطة وتُوجه من قبل الوكلاء على الأرض".

وتابع: "على ضوء المتغير الجديد وهو العدوان على قطاع غزة، هنالك تحرك من قبل الإيرانيين للضغط على الولايات المتحدة من خلال استهداف القواعد الأميركية في سورية، عبر الطائرات المسيّرة".

وبرأي القربي لن تكون سورية ميدان صدام واسع النطاق بين طهران وواشنطن "لأن الإيرانيين غير معنيين حالياً بتوسيع دائرة الصراع في الشرق الأوسط، لأن ذلك يهدد تمددهم في العراق وسورية واليمن ولبنان"، مضيفاً: "سيكون هناك تهديد مباشر للنفوذ الإيراني في تلك الدول في حال اتساع رقعة التصعيد ووصوله إلى تصادم واسع مع القوات الأميركية".

وأشار إلى أن "الولايات المتحدة وراء بقاء بشار الأسد في السلطة في سورية، ومن ثم فإن استخدام الإيرانيين لسورية كمنصة لاستهداف الأميركيين وإسرائيل يهدد نظام الأسد بشكل مباشر"، مضيفاً: "فقدان إيران لهذا النظام ضربة استراتيجية لمشروعها بشكل كامل في المنطقة".

في المقابل، رأى القربي أن "هناك رغبة غربية بعدم توسيع دائرة الصراع خارج محيط قطاع غزة"، معتبراً أن لا مصلحة لكل الفاعلين في سورية، خصوصاً من الجانب الإيراني، للصدام العسكري مع الأميركيين في سورية.