العدد 1340 / 5-12-2018
أيمن حجازي

طغى حادث الجاهلية خلال الأسبوع المنصرم على المشهد السياسي اللبناني المتعثر, وبات الحديث عن المعضلة الحكومية المتفاقمة يحتل المرتبة الثانية أو الثالثة في سلّم أولويات الإهتمام السياسي والإعلامي في البلد . وكان شريط الأحداث التي بلغت ذروتها في حادثة الجاهلية قد ابتدأ اثر دخول رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب على خط التوتر السياسي القائم من جراء ما وصلت اليه عقدة تمثيل سنة الثامن من آذار في الحكومة القادمة . وقد تم تمكين وهاب من تنفيذ اطلالة اعلاميةاتهم فيها الرئيس المكلف سعد الحريري بسرقة المال العام وبأنه لولا أن يكون ابن رفيق الحريري لن يقدم أحد على تشغيله ناطور بناية ، دون أن ينسى المرور على امتناع الحريري عن مصافحة السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي خلال حفل استقبال عيد الاستقلال في قصر بعبدا .

وقد تم تمكينه أيضا من تنفيذ اطلالات اعلامية لاحقة , زاد فيها من وتيرة التهجم على الرئيس الحريري , ونفذ احداها خلال عمليات احتجاج ليلي على الطرقات المفصلية في المناطق اللبنانية , وكأن الجهات التي تؤمن هذا التمكين الإعلامي لوهاب هدفت الى تأجيج حالة الغليان الشارعي الذي يأخذ طابعا مذهبيا قاتما يهدد العلاقات الإجتماعية والأمنية بين السنة والشيعة اللبنانيين . وتوجت هذه الأجواء بتسريب فيديو لوهاب لامس في مضمونه قضايا العرض والشرف التي عادة ما تسهم عادة في اشعال حرائق متنوعة الألوان والأبعاد خصوصا عندما يكون الجمهور منتشرا على الاوتسترادات وفي المناطق الفاصلة بين الدويلات اللبنانية الطائفية والمذهبية الغير معلنة ... فتلتهب ساعتئذ خطوط تماس قائمة على عين الساسة والقادة في بلد يدّعي هؤلاء أنهم يريدونه واحداﹰ وموحداﹰ . وتفيد بعض المعلومات أن حزب الله الذي يتهم بأنه الراعي الرسمي لوئام وهاب لم يتمكن قادته من تحمل هذا المستوى من التصعيد الإعلامي فبادر مسؤولون في الحزب الى تنبيه وهاب لخطورة ما يجري ، ما أدى بوهاب الى تقديم اعتذار علني عما ورد في ذلك الفيديو المشار اليه . هذا في الوقت الذي شكلت المسيرة المسلحة بالسيارات لأنصار وهاب استفزازا لوليد جنبلاط وللحزب التقدمي الإشتراكي , خصوصاﹰ عندما تم الوصول الى المعقل الجنبلاطي في المختارة ، كما شكلت هذه المسيرة استفزازا موازيا لقيادة الجيش اللبناني الذي أعلن أنه اعتقل ٥٧ مشاركا وصادر العديد من قطع السلاح .

من جهته فان الرئيس المكلف سعد الحريري وفريق عمله ، الذي يفتقد صوتاﹰ موازياﹰ لصوت وئام وهاب الصارخ في فضاء الإستفزاز السياسي والطائفي والمذهبي لم يجد وسيلة للرد على رئيس حزب التوحيد العربي الا توجيه قوة من فرع المعلومات التابعة لقوى الأمن الداخلي الى بلدة الجاهلية في منطقة الشوف. وقد أدت هذه الخطوة الى انقلاب الأوضاع خصوصاﹰ بعد أن قتل محمد أبو ذياب أحد مرافقي وئام وهاب , الذي وظف دخول قوة فرع المعلومات الى بلدة الجاهلية الى استنفار العصب الطائفي الدرزي من " السويداء الى حاصبيا " وفق ما ورد على لسان وهاب نفسه . وقد استجاب " دروز الثامن من أذار " وفي طليعتهم الأمير طلال أرسلان والنائبين السابقين فيصل الداوود وفادي الأعور الى استغاثة وهاب خصوصا بعد توجه الشيخ ناصر الدين الغريب المقرب من الزعامة الارسلانية عزاء الجاهلية . وقد تحول ذلك العزاء الى احتفال دعم وتحصين للوزير السابق وئام وهاب في ظل تجنيد إعلامي سخرت له بعض القنوات التلفزيونية نصف الوقت المحدد للنشرات المسائية , في عملية تثير علامات استفهام كبيرة عن الجهة التي تقف وراء هذا التسخير الإعلامي المميّز ... علما أن تلفزيون المنار الناطق باسم حزب الله كان في هذه الأثناء يورد حادثة الجاهلية ضمن إطار الدعوة الى التهدئة دون أن يخفي التعاطف مع وهاب الذي لم يظهر كثيرا على شاشة هذا التلفزيون , بالمقارنة مع الظهور الطاغي والكبير للرجل على الشاشات الأخرى ومنها من هو معارض لموقف وهاب السياسي .

كان التعاطف مع الرئيس الحريري قائما قبيل " هجوم الجاهلية " ، وكان الامتعاض السياسي واضحا من تجهمات وئام وهاب , ولكن الدعسات الناقصة هي التي تؤدي الى الخيبات في كثير من الأحيان . ويبدو أن الرئيس الحريري لا يتقن العمل بالردود الأمنية ولا بالرسائل المشفرة التي عادة ما يتم اللجوء اليها في المنعطفات .. لذا فان التوجه الى الجاهلية قد جانب الصواب وأحدث انقلابا في المشهد لم يكن لمصلحته ولا لمصلحة الحليف وليد جنبلاط ونجله تيمور . كما أن العودة الى أساليب شعراء " الجاهلية " في البكاء على أطلال معسكر الرابع عشر من آذار المقطع الأوصال لم تعد تجدي على عكس معسكر الثامن من آذار الذي شد عصبه في معركة الجاهلية.

ايمن حجازي