فايزة شقور

مآذن القدس تكمَّم ويحكم عليها بالخرس، القدس تناديكم.. وا قدساه.. فهل من مجيب؟
القدس علاقتها بالتين والزيتون، وعلاقة التين والزيتون بالعقيدة.. القدس لغة .. بضم الدال وسكونها هو التنزيه والتطهير والتبريك.
فالقدس وما حولها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعقيدة المسلمين وحياتهم، ومن دونها تبقى عقيدتهم مشوبة بالنقصان، وحياتهم معرضة للخطر، فوجوب الدفاع عنها وحمايتها كان ولا يزال أمانة في عنق كل مسلم، بل أمانة في أعناق المسلمين كافة؛ لأنها جزء مهم في عقيدة المسلم وشرفه وكرامته، فإذا ما استهان بها أو قصّر في شأنها، فيكون عندئذ قد قصّر في الحفاظ على شرفه وكرامته،
لكن ما علاقة التين والزيتون بمكة والطور في هذه السورة؟
سورة التين فيها تناسق وتناغم، يتضح بين المُقسَم به والمُقسَم عليه في تعانق شديد والتحام.
وهناك قاعدة أن القرآن الكريم مبني على التناغم والتناسق وليس على التناشز والتناقض، معاذ الله.
الله تعالى يقسم بثلاثة أشياء هامة: >والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين<، يقسم بمكانين هما:
- جبل الطور الذي كلّم الله تعالى موسى عليه..
- ومكة المكرمة (البلد الأمين).
- أما التين والزيتون فليس القصد منهما الفاكهة، وإنما يقصد بهما المكان وهو أرض فلسطين، القدس (الأقصى وما حوله).
ما أهمية هذه البقاع الثلاث؟
هي من أطهر بقاع الأرض التي خصّها الله تعالى بإنزال رسله وأنبيائه دون سائر بقاع الأرض.
نجد أن هناك علاقة وثيقة وتناسقاً واضحاً مع الأماكن الأربعة التي ذكرتها سورة التين وهي: التين والزيتون (الأقصى وما حوله) بلاد الشام الكبرى، وهذا البلد الأمين (مكة) وطور سينين (جبل الطور).
أي إن هذه الأماكن: هي منبع النور الرباني والرسالات الثلاث التي نزلت على البشرية، القدس (مهد المسيح عيسى عليه السلام ومكان ولادته)، ومسرى محمد |، وموطن أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وفي القرآن القدس هي مأوى الأنبياء، إذ قال تعالى: >يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ<.
وأهمية القدس تتضح في الإسراء والمعراج... فالقدس اختارها الله أن تكون بوابة الأرض إلى السماء.
لقد جعلنا الله نحن أمة محمد نبثّ النور للعالمين ونزيح الظلمات، وجعل مقدساتنا الأربعة هي مصدر النور في الأرض.
العلاقة بين المقسم به والمقسم عليه: هي نور الهداية في قلب الإنسان وفكره، والأماكن التي نزل فيها نور الله تعالى، وللأماكن الثلاثة هي منارة التوحيد، تنوير من الله تعالى.
وهذا التناسق نجده جليا واضحاً في سورة النور: >اللّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، مَثَلُ نُورِه كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ، الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُجَاجَةُ كَأنَهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ، زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيّةٍ وَلَا غَرْبِيّة،ٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ، نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَيَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثَالَ لِلناسِ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ<.
الكون نور، والقرآن نور، والأنبياء نور، والعقل نور، والله يهدي مَن يشاء إلى نوره: >فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ<..
وكما أن المصباح يشرق بالنور في المشكاة، كذلك قلب المؤمن يشرق بالنور.
وفي المسجد يكسب النور.. >فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَال، رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَإِقَامِ الصّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَكَاةِ، يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ، لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ<.
ان القرآن كله قطعة واحدة  متكاملة، فيها تناسق وتناغم، فسبْحَانَ الّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السّمِيعُ الْبَصِيرُ.