إبراهيم حمامي

أصدر وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران يوم 20/12/2016 ما عُرف بـ«وثيقة موسكو»، وهي إعلان من ثماني نقاط يتعلق بالوضع في سوريا والتمهيد لتوسيع وقف إطلاق النار، والانطلاق في عملية تسوية سياسية نهائية. ورغم أهمية الإعلان فإن اللافت كان غياب الجانب السوري بشقيه، والأهم غياب أي تمثيل عربي حول سوريا ومستقبلها، وهو ما استدعى توجيه دعوة مباشرة للسعودية من قبل الموقعين على الإعلان للانضمام إليهم، وذلك حسب ما نشرته يوم الأربعاء (21/12/2016) وكالة إنترفاكس الروسية قائلة «إن موسكو تعتقد أن من الضروري أن تنضمّ السعودية إلى الموقف الروسي الإيراني التركي بشأن الأزمة السورية».
لا شك أن عوامل كثيرة أدت لفقدان العرب دورهم وتأثيرهم على الأحداث، ليس في سوريا وحدها بل في المنطقة بشكل عام. عندما أطلق السوريون شعارهم الشهير «ما إلنا غيرك يا الله» في الأيام الأولى لثورتهم لم يخطر ببالهم أن يصل الأمر إلى ما وصل إليه من تخلٍ تام عنهم، وتركهم لمصير قاتم سقط فيه مئات الآلاف من الضحايا وتشرد أكثر من نصف الشعب السوري، وما زالت المأساة قائمة لا تتوقف بعد تدخل القوى الكبرى لتجعل من سوريا ساحة صراع دولي، يدفع ثمنه السوريون دون أن يكون لهم موقف ورأي حقيقي في ما يجري ببلدهم، ودون دعم وإسناد عربي لهم.
هذا هو الواقع المؤلم، رغم أن البدايات لم تكن كما هي عليه الآن، فقد كان الدور العربي فاعلاً سياسياً ودبلوماسياً بل وحتى عسكرياً، داخل الجامعة العربية -التي تقف اليوم مشلولة تماماً- و في المحافل الدولية ولدى المنظمات الحقوقية والإنسانية، وميدانياً من خلال دعم بعض فصائل الثورة السورية، ولا ننسى القرار العربي غير المسبوق بتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية يوم 12/11/2011.
لكن التنازع العربي/العربي، ووقوف بعض الأنظمة العربية بشكل واضح مع النظام، ودعم آخرين للثورات المضادة، والضغوط الدولية والإقليمية، أدت جميعها إلى تقلّص الدور العربي حتى أصبح شبه منعدم.
ما بعد إعلان موسكو
وجاء إعلان موسكو الأخير ليضع العرب أمام استحقاقات جديدة، والمحللون ذهبوا بعيداً إلى القول إن معركة حلب هي الأخيرة قبل إعلان وقف إطلاق نار موسع وشامل يكون بداية لعملية انتقالية سياسية تنهي الأزمة في سوريا، وتحافظ عليها كبلد موحد غير مقسم.
سوريا والمنطقة الآن على طاولة المحادثات والمفاوضات التي ستنتقل من موسكو إلى أستانا عاصمة كزاخستان، ورغم الاختلافات والاعتراضات فإن الاجتماع سيعقد والقرارات ستتخذ حتى وإن تعثر تنفيذها ميدانياً، إلا أن فرضها سيكون في مرحلة تالية في حالة حضور أو لحاق باقي القوى المؤثرة بـ«الترويكا» الجديدة (روسيا وتركيا وإيران).
كي لا يتكرر التاريخ
ضاعت الأندلس قبل قرون في ما يشبه ما يحدث اليوم في المنطقة العربية!
غاب الدور العربي تماماً في القرن الأخير عن كل المتغيرات والتأثير عليها، بل غاب عن قرارات تمس المنطقة العربية تحديداً، كتقسيم المنطقة إلى دول وأقطار بحسب اتفاقية بريطانية فرنسية (سايكس-بيكو) دون أن يُستشار أصحاب القضية والمعنيون بها.
وكذلك غاب الصوت العربي بعدها عن قرارات عصبة الأمم وما تلاها من أحداث في الحرب العالمية الثانية، التي كانت أقطار عربية ساحة لها دون أن يكون لها فيها ناقة أو جمل، وصولاً إلى ضياع فلسطين واحتلال أراضٍ لست دولة عربية من قبل كيان جديد زُرع في المنطقة (إسرائيل)، وعجز العرب متفرقين ومجتمعين عن استعادة أي من حقوقهم المغتصبة.
سايكس بيكو رسمت حدود المنطقة لمائة عام، لكنها استهلكت وانتهت صلاحيتها. والقوى التي ورثت عقلية الهيمنة والسيطرة تبحث عن بدائل. «وثيقة موسكو» قد تكون ناقوس الخطر لتفاهمات جديدة وتقسيمات جديدة للمنطقة سيشترك فيها الجميع من الشرق والغرب، وستحدد مصير المنطقة ربما لقرون في ظل غياب العرب مرة أخرى.
ما يمكن تأكيده أن ما قبل حلب ومأساتها ليس كما بعدها، وما قبل إعلان «وثيقة موسكو» ليس كما بعده، وما قبل وصول ترامب لرئاسة أميركا ليس كما بعده. هذه ليست كلمات تُطلق وشعارات تُرفع، بل متغيرات ووقائع نعيشها اليوم لحظة بلحظة وعلى الهواء مباشرة!!