أشرف دوابه

لم تمض أيام قلائل على صدور تقرير من وزارة المالية المصرية عن مؤشرات التنمية البشرية للعام 2016، ونشره على موقع الوزارة الإلكتروني ، حتى تم حذفه من على الموقع بما يحتويه من بيانات عن تفشي الفقر في مصر، كأن الوقوف على الواقع المرير دنس يجب التخلص منه. ولا عجب من ذلك في ظل دولة يفتقد نظامها للشفافية والنزاهة والعدالة.
فقد كشف هذا التقرير أن خط الفقر المدقع الغذائي، الذي يمثل كلفة البقاء على قيد الحياة، يقدر بنحو 2570 جنيها في عام 2013/2012.  ويعتبر الشخص فقيراً فقراً مدقعاً على المستوى الغذائي إذا قل إنفاقه عن ذلك الخط، وخط الفقر المدقع «خط الفقر الغذائي» هو تكلفة سلة سلع غذائية تتوافق مع السلوك الاستهلاكي للفقراء، وتوفر السعرات الحرارية والبروتينات اللازمة لقيام الفرد بالنشاط الطبيعي، وذلك وفقاً للمفاهيم العالمية لمنظمة الصحة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي، وتختلف كلفة السلع الغذائية باختلاف المناطق الجغرافية.
ورغم تسرع وزارة المالية في حذف هذا التقرير من على موقعها فإن هناك تقريراً أحدث من حيث بياناته من هذا التقرير، وهو القرير الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في شهر تموز 2015 والذي ذكر أن نسبة الفقر المدقع ارتفعت في العام 2015 لتصل إلى 5.3 في المئة من السكان. محدداً قيمة خط الفقر المدقع للفرد بمبلغ 322 جنيهاً في الشهر. وذكر التقرير أن الأسرة المكونة من خمسة أفراد تحتاج إلى 2372 جنيهاً في الشهر حتى تستطيع الوفاء باحتياجاتها الأساسية. كما ذكر أن الفقراء وفقاً لمقياس الفقر القومي يمثلون 27.8 في المئة من السكان في عام 2015، مقابل 26,2% عام 2012/2013 و 16.7% عام 1999/2000 وهو ما يعني أن ما يزيد على 25 مليون مصري يلتهمهم الفقر في العام 2015.
والواقع أن هذه النسب للفقر في مصر لا يمكن الوثوق بها في ظل معايير المؤسسات الدولية للفقر ، فضلاً عن تقدير وزير التخطيط والمتابعة السابق الدكتور «أشرف العربي» -وقت وجوده في الوزارة- نسبة الفقر في مصر بما يزيد على 45% من السكان، وذلك خلال اجتماع اللجنة الخاصة المنوطة بمراجعة المحور السادس من بيان الحكومة في شهر نيسان الماضي.
بل إن الدخل الحقيقي للأفراد انخفض انخفاضاً كبيراً بفعل ما اتخذته الحكومة من إجراءات صادمة ومميتة للفقراء من تخفيض قيمة الجنيه بنحو 105 في المائة في أيام معدودات ورفع الدعم المتواصل على المحروقات وإقرار ضريبة القيمة المضافة،  فضلاً عن الإفراط الضريبي بصفة عامة وإقرار قانون الخدمة المدنية ورفع الفائدة. وكل هذا يعني أن الشعب المصري سيتحول إلى لاجئ داخل بلده من خلال افتراس الفقر له، وازدياد عدد الفقراء بصورة متسارعة، حتى أنه يمكن القول إنه لن تقل نسبة الفقراء في وقتنا الحالي عن 70 في المئة من السكان.
إن من العجب العجاب  في ظل هذه الإجراءات التي أثبتت فيها الحكومة أن هدفها طحن الفقير طحناً وتركه يواجه الموت إما بالدبابة أو بالسجن أو بالانتحار أو بالجوع، أننا ما زلنا نرى تكدساً للثروات لقلة سيطر عليها الجشع وغرقت في بحر من الفساد.. قلة لا تتعدى نسبتها 2 في المئة من المصريين جلهم من العسكر وتوابعهم من رجال الأعمال المستفيدين، حتى بات شعارهم: اطحن فقيراً .. وهل من مزيد؟
إن الواقع الحالي ينذر بانفجار في ظل تزايد عدد الفقراء واتجاه الناس إلى الانتحار والعياذ بالله هروباً من ضيق العيش وقصر اليد، ولن يوقف هذا الانفجار لقيمات يقدمها العسكر لهم لكي يأخذ بها لقطة فوتوغرافية أو تلفزيونية معهم، وهو يفتك بهم ليل نهار، حتى حذف الحماية الاجتماعية من قاموسه، وأصبح خضوعه لشروط المؤسسات الدولية التي تبتغي ذلك منهجاً وسلوكاً.