العدد 1346 / 23-1-2019
الدكتور وائل نجم

د. وائل نجم

بعد مضي قرابة ثمانية أشهر على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة، بات معروفاً أن هناك عقبات داخلية أخرى خارجية تعيق إعلان تشكيل الحكومة، وفي كل مرة تصل الأمور إلى ما يشبه الخواتيم السعيدة، تتدّخل "الأشباح" غير المنظورة وتمنع بألف طريقة وطريقة إعلان تشكيل الحكومة.

آخر الأجواء الإيجابية التي رافقت هذا الملف كانت عندما تمّ الاتفاق على تمثيل اللقاء التشاوري للنواب السنة الستة بشخص من خارج اللقاء، ومن حصة رئيس الجمهورية الوزراية، ولكن ومن دن أسباب جرى تعطيل هذا الاقتراح والاتفاق، وتفريغه من مضمونه، وكادت الأمور تعود إلى المربع الأول.

داخلياً، التيار الوطني الحر ومعه فريق رئيس الجمهورية يصرّون على نيل أكثر من الثلث في مجلس الوزراء لضمان تعطيله وتسييره كيقما شاء هذا الفريق. وهذا بالطبع مرفوض من الأطراف الأخرى. بعضها يجاهر برفض ذلك، كالرئيس نبيه بري، وبعضها الآخر لا يجاهر إنما يزايد مع التيار الوطني الحر لحسابات سياسية مصلحية، كتيار المستقل وحزب الله.

وفي مقابل مطالب التيار الحر، يصرّ حزب الله على تمثيل اللقاء التشاوري للنواب السنة الستة في الحكومة، علماً أنهم ليسوا كلتة نيابية واحدة، ويريد أ، يكون ذلك على حساب رئيس الحكومة المكلف، وهو بالطبع مرفوض من الرئيس المكلف الذي يصرّ بدوره على رفض توزير أية شخصية سنّية من خارج فريقه وتياره، وإن كان يقول إنه سمّى وزيراً من حصته بالاتفاق مع الرئيس ميقاتي. وفي هذه المواقف الداخلية المتقابلة تكمن عقدة التأليف الأخيرة بعد أن تمّ الانتهاء من فكفكة العقد التي سبقتها والتي تتصل بتمثيل القوات اللبنانية وتقاسم المقاعد الدرزية.

أما خارجياً، وهي عقد غير منظورة في أغلب الأحيان، فإن المواقف الخارجية، على ما يبدو، تتلطّى خلف المواقف الداخلية، وتتخذ منها مطيّة لإفشال أي جهد أو مسعى حقيقي لتشكيل الحكومة. وهنا يأتي الحديث تارة عن الموقف السعودي، وتارة أخرى عن الموقف الإيراني، ومن خلفه أيضاً موقف النظام السوري. إلا أن الشيء الملفت في الآونة الأخيرة يكمن في حديث مساعد وزير الخارجية الأمريكي الذي زار لبنان مؤخراً وحثّ بشكل صريح على تفعيل حكومة تصريف الأعمال وعدم إضاعة الكثير من الوقت بانتظار تشكيل حكومة جديدة، وأشار إلى أن المجتمع الدولي الذي يعتبر أن مسألة تشكيل الحكومة شأن داخلي لبناني، إلا أنه معنّي بهذه الحكومة لأنه سيتعامل معها، رافضاً بشكل ضمني تمثيل حزب الله فيها، خاصة بوزارة سيادية، في إعلان شبه صريح على دخول الحزب للحكومة، أو تحكّمه بها، ولذلك حثّ وشجع على تفعيل حكومة تصريف الأعمال.

ما من شك أن الجميع يدرك قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على التأثير والتعطيل على المستوى الدولي ومؤسساته، وبالتالي لا يمكن للمسؤولين في لبنان أن يديروا الظهر بشكل كامل لهذه الاعتبارات الأمريكية، خاصة وأن مفاتيح الملفات الاقتصادية التي تهدد البلد بالانهيار الكامل تكاد تكون جميعها بيد الأمريكي، بدءاً من الدول الداعمة، مروراً بالبنك الدولي، وصولاً إلى المساعدات الأمريكية ذاتها. ومن هنا يأتي طرح السؤال بدون أيو نوايا سيئة. هل أن التمسّك بالحصول على الثلث المعطّل في الحكومة، وهو مرفوض بكافة المقاييس، هو استجابة للرغبة الأمريكية بتعطيل تشكيل الحكومة إلا إذا جاءت وفق الهوى الأمريكي؟ وفي المقابل هل أن التمسّك بتمثيل هنا أو هناك لإثبات القدرة على التعطيل أو تأكيد مشهدية الانتصار يصبّ أيضاً، بإرادة ورغبة أو من دونهما، في مصلحة التعطيل الأمريكي؟ وفي ذلك توزيع للأدوار بشكل ليس بالضرورة أن يكون محل اتفاق بين جانبين؟!

أمام هذه المشهدية لا يبدو أن مساعي الرئيس المكلف ستصل إلى أي حل مهما قدّم من صيغ أو أشكال حكومية، كما وأن ذهابه إلى تفعيل حكومة تصريف الأعمال ليس بالأمر السهل والمتاح بشكل يسير، لذا فإن لبنان، وعلى ما يبدو سيظل محكوماً بهذه المشهدية حتى تتضح صورة المشهد في الإقليم.