العدد 1349 / 13-2-2019
الدكتور وائل نجم

كان في حكم المؤكد أن الحكومة ستنال ثقة المجلس النيابي على الرغم من مداخلات النواب في جلسة منح الثقة. فالحكومة تشكّلت وفق منطق ومبدأ المحاصصة بين القوى السياسية، وبالتالي فإن هذه القوى الممثلة في المجلس النيابي، وبعد أن نالت حصتها في الحكومة، فإنها بكل تأكيد ما كانت لتحجب الثقة أو تمتنع عن التصويت. فلقد جعل هذا المبدأ الحكومة تنال ثقة النواب بكل سهولة، وقد قضى ذلك على الحياة النيابية الحقيقية التي تقوم في النظام البرلماني على أساس تشكّل الحكم من سلطة ومعارضة، اليوم في ظل منطق ومبدأ المحاصصة لم يعد هناك معارضة حقيقية، وبات الجميع أو الأغلب في السلطة والحكم، إلا بعض النواب القلائل الذين لم يدخلوا بإرادة منهم أو من دون إرادة في منطق ومبدأ المحاصصة، كما أتاح ذلك للحكومة نيل ثقة سهلة في المجلس النيابي. إلا أن الاختبار الحقيقي بعد اليوم هو في نيل الحكومة ثقة الناس في الشارع وأمام التحدّيات الاقتصادية والمعيشية والحياتية وغيرها.

بعد أن نالت الحكومة ثقة المجلس النيابي هي اليوم أمام استحقاق نيل ثقة المواطن اللبناني من خلال العمل الجدّي الحقيقي والفعّال لحلّ أزمات البلد على المستويات كافة. الحكومة أمام استحقاق إنهاء أزمة الكهرباء وهي التي تستنزف الميزانية اللبنانية منذ وقف الحرب الأهلية المشؤومة، وقد أنفقت على الكهرباء مئات بل ملايين الدولارات دون أن تجد لها حلاّ. الحكومة أمام استحقاق وقف الهدر والفساد في الإدارات كافة، سواء من خلال التوظيف غير الشرعي وغير الرسمي، أو من خلال التهريب على المكشوف، أو من خلال منطق المحسوبيات، أو من خلال تعطيل القانون ومبدأ المحاسبة والمساءلة، أو من الكثير الكثير من الامور الملّحة التي يطالب بها اللبنانيون.

نالت الحكومة ثقة المجلس النيابي ولكنها أمام استحقاق نيل ثقة المواطن اللبناني , الذي يعاني على أبواب المستشفيات، حيث يموت أحياناً البعض أمام تلك الأبواب دون أن يتمكن من الدخول لعدم قدرته على تأمين كلفة الطبابة، وأمام المدراس وقد تابعنا خلال الأيام الماضية كيف أقدم أحد الأشخاص على إحراق جسده احتجاجاً على عدم منح إدارة إحدى المدارس في منطقته إفادة لابنته من أجل نقلها من المدرسة المسجلة فيها إلى مدرسة أخرى، وقد لاقى هذا الفعل استنكاراً على فعل إدارة المدرسة، وتضامناً مع الرجل المنكوب.

نالت الحكومة ثقة المجلس النيابي ولكنها أمام استحقاق نيل ثقة المواطن اللبناني , الذي يريد دولة صاحبة سيادة على أرضها وقرارها. دولة تكون هي الأساس في الداخل والخارج، ولا تخضع لأي ابتزاز من هنا أو هناك. دولة تعتبر سلاحها الشرعي هو السلاح الوحيد الذي يثق به اللبنانيون ويستندون إليه في مواجهة التحديات.

نالت الحكومة ثقة المجلس ولكنها أمام استحقاق ثقة المواطن في وضع حد للفساد بشكل جدّي من خلال التخلّي عن المحسوبيات , ويرفع الغطاء عن أي مرتكب مهما كان وإلى أي جهة انتمى.

من المبكر طبعاً الحكم على الحكومة، وهذا فيه نوع من الإحجاف، ولكن وكما يُقال فإن الرسالة تُقرأ من عنوانها، فالحكومة التي قامت على المحاصصة والمحسوبية لا يمكن أن تكسب ثقة الناس، لأنها ببساطة لن تستطيع أن تكافح الفساد، ولن تتمكن من فرض سيادتها على قرارها وأرضها، ولأنها لن تتمكن من تشريع سلاحها ومنع أي سلاح خارج إطار الشرعية يهدد اللبنانيين تلميحاً أو تصريحاً، ولأنها لن تتمكن من وقف الهدر وهي التي تتكوّن من قوى شرهة للسلطة والمال. لكل ذلك لن تتمكن هذه الحكومة أن تنال ثقة اللبنانيين، ونأمل ونتمنى أن تحقق للبنانيين تطلعاتهم وتنال ثقتهم لأن ذلك يريح البلد ويرسي الاستقرار الحقيقي، أما الاستمرار في سياسة دفن الرأس في الرمال فإنه قد يشعل ثورة حقيقية تطيح كل الطبقة التي لا تشعر أبداً بالمسؤولية عن الأوضاع التي يعيشها اللبنانيون.

الدكتور وائل نجم