العدد 1339 / 28-11-2018
وائل نجم

مع نهاية شهر تشرين الثاني يكون قد مرّ على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة قرابة ستة أشهر. صحيح أن الفترة الزمنية لم تصل بعد لتماثل تلك التي احتاجها الرئيس تمام سلام لتشكيل حكومته، أو حتى تلك التي احتاجها الرئيس نجيب ميقاتي أيضاً، ولكنها فترة طويلة جاءت بعد انتخابات نيابية، وتُعدّ حكومة العهد الأولى، فضلاً عن أن الرئيس المكلف حظي بثقة أكثر من مئة وعشرة نواب لتشكيل الحكومة، بما يشبه شبه الإجماع تقريباً. ومع ذلك فإن الحكومة لم تبصر النور، والعقبات تتناسل وتتوالد من بعضها البعض، إذ كلّما تمّ حلّ عقدة تولد عقدة أخرى، وكلّما يمّ الانتهاء من عقبة تنشأ عقبة جديدة تعيق وتؤخّر تشكيل الحكومة حتى كاد الشك بأن بعض المعرقلين لا يريدون حكومة بالأساس يتحوّل إلى يقين مع العقد والشروط التي لا تلتفت إلى خطورة الوضع الاقتصادي في البلد، وإلى تحذيرات الداخل والخارج من مغبة انهيار هذا الوضع، وتالياً دخول لبنان في فوضى لا يعلم مداها أو نتائجها إلا الله.

في نهاية شهر تشرين الأول شعر الجميع بالتفاؤل، وكادوا يعتبرون أن الحكومة ولدت وأن الدخان الأبيض تصاعد معلناً الدخول في مرحلة جديدة . إلا أن عقدة ما بات يُعرف بتمثيل النواب السنّة الستة، أو نواب اللقاء التشاوري، أعادت الأمور إلى المربع الأول، ومنعت تشكيل الحكومة، لأن حزب الله رفض تسليم أسماء وزرائه إلى الرئيس المكلف إلا إذا تمّ توزير أحد هؤلاء النواب، أو قبلوا هم بالتنازل عن تمثيلهم. هو عملياً شرط وضعه حزب الله واختفى خلفه، ولكن خطورة هذا الشرط أنه أوقف اندفاعة الجميع نحو تشكيل الحكومة لإخراج البلد من الأزمة، وولّد شعوراً بأنه استهداف معلن لموقعي رئاسة الحكومة والجمهورية المعنيين بشكل أساسي بعملية التشكيل وفق النص الدستوري الواضح. وهنا شعر مؤيدو الرئيس المكلف، بل والمكوّن السنّي الذي ينتمي إليه الرئيس المكلف، ويمثّله في الموقع الثالث بالدولة، شعر هذا المكوّن أن هناك محاولة لوضع اليد على صلاحيات هذا الموقع، عبر تكريس هذه الأعراف والشروط التي تتجاوز الدستور والمؤسسات، فضلاً عن محاولة الإطاحة بالنظام السياسي والطائف لإيجاد صيغة جديدة تكون فيها الغلبة لطرف على بقية الأطراف. كما شعر بهذا الشيء بطريرك الموارنة، بشارة الراعي، عندما أكد رفض أي مساس بالصيغة، وعدم التحوّل إلى صيغة أخرى تقوم على المثالثة ، وأكد أن لبنان يقوم بجناحيه المسلم والمسيحي، فإذا أصيب جناح سقط البلد.

انسداد الأفق أمام تشكيل الحكومة على الرغم من التنازلات التي تمّ تقديمها سابقاً ولاحقاً لإخراج البلد من عنق الزجاجة، وإطلاق خطابات توحي بالسيطرة والقدرة على الفرض والتعطيل والانتظار، أشعل في مكان آخر شعوراً بالاستهداف يضاف إلى المشاعر التي ولّدتها سياسة التعامل مع مكوّن أساسي أمنياً وقضائياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ، فدفعها إلى التعبير عن سخطها ورفضها من خلال التمسك بالدور والموقع ولو عبر اعتماد خطاب طائفي مذهبي لم يكن معروفاً أو معتمداً من قبل، بل كان مستنكراً ومرفوضاً، وقد أخذ البعض يحاول أن يخرج به عن إطاره المعهود إلى ما هو أعمق وأعقد عبر النزول إلى الشارع والتعبير عن حالة السخط من خلال قطع الطرقات، وهو ما شاهدناه خلال الأيام الماضية في بيروت وفي بعض المناطق الأخرى، وهو من حقيقته بداية اشتعال فتيل لا احد يريده في البلد، هو فتيل الفتنة التي طالما عمل العقلاء في كل الأطراف، على منعها ورفضها، إلا أن اليد الواحدة، كما يُقال، لا تصفّق، ولذلك لا ينفع التحذير من مغبة النزول إلى الشارع واعتماد هذه الطريقة في وقت يعمل البعض الآخر على فرض آحاديته وسياسته وقراراته على كل اللبنانيين، محاولاً بذلك تغيير النظام والبلد وكل شيء فيه. لأن الفتنة لا تكمن في النزول إلى الشارع فحسب، فهذه قد تكون ردّة فعل لفعل آخر، تكمن أيضاً في كل قول أو فعل أو موقف يثير الحساسيات والمشاعر والهواجس والعقد وكل ما من شأنه أن يشعر المرء بالحاجة للدفاع عن تواجده وحضوره ودوره.

الحكومة كادت تبصر النور بعد أن تمّ الاتفاق على الكثير من الحلول للعقد التي واجهت الرئيس المكلف، مع التحفّظ الكبير من قطاعات واسعة على كيفية إدارة ملف التشكيل، حتى جاءت مسألة العقدة الأخيرة، وولّدت شعوراً بالإقصاء والاستهداف، وكادت تشعل فتيل فتنة لا نتمنّاها ولا نريدها، فهل يعي المعرقلون خطورة الوضع أم ترى يريدون الوصول بالبلد إليه؟ نأمل أن تعود لغة العقل والحكمة المعهودة لتفعل فعلها من جديد , حتى يتمكن البلد من الصمود والوقوف في مواجهة العواصف المقبلة.

وائل نجم