العدد 1344 / 9-1-2019
الدكتور وائل نجم

للدكتور وائل نجم

من المنتظر أن تشهد بيروت على مدار يومي 19 و20 الشهر الجاري انعقاد القمة العربية الاجتماعية الاقتصادية، وقد استكمل لبنان كافة الاستعدادات الميدانية لاستقبال المشاركين الممثلين لدولهم في هذه القمة ممن وُجّهت الدعوة اليهم ، إلا أنه برزت عدة مشكلات استدعت إعادة البحث في مبدأ انعقاد القمة في هذا الوقت، منها الداخلي المتصل بالخلافات اللبنانية , والانقسام السياسي حول العلاقة مع النظام السوري، ومنها الخارجي المتصل بالخلافات العربية من ناحية، والانشغالات التي تأخذ حيّزاً من اهتمامات القادة ورؤساء الدول، ومن هنا نشأت فكرة البحث في إمكانية تأجيل القمة إلى الربيع المقبل، أو دمجها في القمة العربية العادية التي تُعقد عادة في شهر آذار، وهذه السنة ستعقد في تونس، في حين تمسّك لبنان بانعقاد القمة، وأكد رئيس الجمهورية أن تواجد حكومة أصيلة من عدمه لا يؤثر على انعقاد القمة، فالحكم استمرارية، وبالتالي فإن تواجد حكومة تصريف أعمال يفي بالحاجة والغرض، وبالتالي لا يمنع انعقاد القمة في بيروت.

قبل الحديث عن الأسباب لا بدّ من التذكير بأن مجرد انعقاد القمة في بيروت فيه مصلحة للبنان، ولعهد الرئيس ميشال عون على وجه التحديد.

فانعقاد القمة في بيروت، وبغض النظر عن مستوى الحضور فيها من القادة والزعماء، يؤكد أن لبنان لا يعيش عزلة مع محطيه العربي في ضوء المستجدات التي تحكم الواقع العربي، وفي ضوء الموقف اللبناني منها، كما أن انعقاد القمة يؤكد انفتاح العرب على الرئيس ميشال عون، في وقت يعطي البعض انطباعاً بأن هذا العهد ليس على علاقة جيدة مع محيطه العربي، وهذا بالطبع فيه مكسب كبير للرئيس عون، خاصة في هذه المرحلة التي يحمّل فريق من اللبنانيين فريقه السياسي (التيار الوطني الحر) مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة ومحاولة إعادة صلاحيات الرئاسة التي تم الاتفاق على تعديلها بموجب اتفاق الطائف. كما أن من مصلحة العهد تحديداً انعقاد القمة الاقتصادية الاجتماعية في بيروت , علّ لبنان يستفيد من بعض المساعدات العربية لحلحة أزمته الاقتصادية، مع العلم أن أكثر العرب يعيشون حالة أزمات اقتصادية، بل بعضهم يعيش حالة شبه إفلاس. وفضلاً عن هذه وتلك فإن انعقاد القمة في بيروت يعطي انطباعاً عاماً أن لبنان يعيش حالة استقرار على المستويات الأمنية والسياسية، وبالتالي فإن ذلك يفيد الحكم والحكومة والمتحكمين بهما. ولذلك يتمسّك الرئيس ميشال عون بانعقاد القمة في بيروت، ويسعى لإقناع القادة العرب بالمشاركة وإنجاح هذه القمة.

ولكن في مقابل الإلحاح اللبناني على انعقاد القمة برز موقف عربي يدعو إلى تأجيلها أو إلى دمجها بالقمة العربية العادية التي ستُعقد في تونس، وقد برزت هذه الرغبة بشكل أساسي من النظام المصري لاعتبارات جرى الحديث عنها، ومنها ما يتصل بعدم ضمانة حضور فاعل للرؤساء والملوك فيها، وبالتالي فان ذلك يعتبر فشلاً لها، ومنها ما يتصل بالمشهد اللبناني وانقساماته.

في موضوع الحضور العربي في القمة فقد بات واضحاً أن أغلب الدول الخليجية لن يشارك في القمة بمستوى رفيع، كما أن دولاً أخرى لا تسمح أوضاعها الداخلية بالمشاركة، وبقي عدة دول أكدت مشاركة رؤسائها وملوكها، ولكنها عادت تدرس موقفها ومشاركتها بهذا المستوى، ومن هذه الدول مصر ذاتها، وكذلك الاردن والمغرب وغيرها، وهذا بالطبع يعدّ سبباً وجيهاً للبحث في تأجيل القمة. كما برز في هذا الاتجاه بحث مشاركة النظام السوري، فبعض الدول العربية ترفض إلى الآن مشاركة النظام السوري على اعتبار أن قرار الجامعة العربية بتجميد عضوية سورية في الجامعة ما زال سارياً، في حين تدعو دول أخرى إلى تعديل هذا الموقف في ضوء المستجدات. المهم أن كل ذلك دعا إلى إعادة بحث مسألة الانعقاد والتأجيل.

أما بالنسبة للموضوع الداخلي، فإن عدم تسهيل تشكيل الحكومة، وتحميل فريق رئيس الجمهورية مسؤولية العرقلة يُعدّ سبباً وجيهاً لإعادة بحث انعقاد القمة وتأجيلها، كما أن انقسام الموقف اللبناني على المستوى السياسي والحكومي من موضوع حضور النظام السوري للقمة أيضاً يُعدّ سبباً لإعادة النظر بموقفهم.

إلى الآن لم يتم حسم الجدل حول انعقاد القمة من تأجيلها، ولكن من الواضح أن لبنان لن يجني منها ما يتوقعه , حتى لو انعقدت في موعدها، لأنها ستكون قمة بروتوكولية فحسب , لن تقدّم ولن تؤخّر شيئاً.