العدد 1338 / 21-11-2018
وائل نجم

يحتفل لبنان يوم الخميس في الثاني والعشرين من الشهر الجاري بالذكرى الخامسة والسبعين للاستقلال. هذه المرّة لا تختلف الاحتفاليات كثيراً عن المرّات السابقة. عرض عسكري يقوم به الجيش في جادة شفيق الوزّان في بيروت، واستقبال يقوم به الرؤساء الثلاثة للسفراء والشخصيات في القصر الجمهوري، ثمّ ينصرف بعد ذلك كل طرف وشخصية إلى ممارسة ما كان يمارسه قبل المشاركة بالذكرى.

وهذا العام تأتي الذكرى كما أتت في أعوام سابقة , دون أن يكون عقد المؤسسات مكتملاً. هذا العام يحتفل لبنان بالذكرى في ظل حكومة تصريف أعمال، ورئيس حكومة مكلّف، ولولا أن الرئيس المكلف هو ذاته رئيس حكومة تصريف الأعمال لكنّا رأينا على المنصة الرئيسية للعرض العسكري أربعة رؤساء بدل ثلاثة.

تأتي الذكرى هذا العام دون أن يكون للبنان حكومة أصيلة على الرغم من إجراء الإنتخابات النيابية وفق قانون جديد مطلع شهر أيار الماضي. تأتي الذكرى وقد استنفد الرئيس المكلف ما في جعبته من أجل إيجاد الحلول لأزمة تشكيل الحكومة وإرضاء الأطراف المعنيّة، حتى أنه عندما كدنا أن نقول "إن الفول صار بالمكيول" وإننا قد نشهد إعلان تشكيل الحكومة خلال ساعات، برزت عقدة جديدة لم تكن بالحسبان، ولم يكن أحد من الأطراف السياسية الأساسية بمن فيهم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يعتبرها عقدة مهمّة أو صعبة، هي عقدة تمثيل النواب السنّة الستة في الحكومة. وقد أعاقت هذه العقدة حتى اليوم تشكيل الحكومة، خاصة وأن حزب الله ربط تسليم أسماء وزرائه لحكومة الوحدة الوطنية بتسمية واحد من هؤلاء النواب الستة كوزير في الحكومة، وعند هذا الشرط تعطّلت كل مساعي التشكيل، وكاد ينفرط عقد الاتفاقات التي حصلت مع الأطراف الأخرى وحسمت 99% من العقد الأخرى.

الجميع في لبنان يعرف ويدرك أن النص الدستوري واضح وضوح الشمس لناحية صلاحية رئيس الحكومة المكلف تشكيل الحكومة بالتفاهم والتشاور مع رئيس الجمهورية. والأمر الصحيح هو أن يقوم الرئيس المكلّف باستمزاج آراء كل الأطراف السياسية والنيابية، ومن يشاء من الشخصيات، ومن ثمّ يعود له أن يشكّل الحكومة ويعرضها على رئيس الجمهورية الذي له حق التوقيع أو رفض التشكيلة، فإذا وقّعها يذهب بها رئيس الحكومة المكلّف إلى المجلس النيابي، وهناك إما أن يأخذ ثقة المجلس، أو يمتنع المجلس عن ذلك فتتحوّل إلى حكومة تصريف أعمال. أما أن تتدخّل القوى السياسية وتفرض إرادتها على الرئيس المكلف، وتفرض وزراءها على الحكومة، فهذا تجاوز للدستور، وخرق للنصوص، وافتئات على صلاحية الغير، وكل ذلك بطبيعة الحال يطيح مبدأ الدستور والنصوص، ويطيح معه مبدأ سيادة القانون والدستور، ومعه سيادة الدولة.

وفي ظل الحديث عن سيادة الدولة ومؤسساتها، وفي مناسبة الاستقلال، يُطرح السؤال الجدّي عن السيادة الحقيقية والفعلية في هذا البلد. يُطرح السؤال عن سيادة القانون والمؤسسات. وتعود بنا الذاكرة إلى تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية على مدى عامين ونصف تقريباً. كما تعود بنا الذاكرة إلى تعطيل المجلس النيابي لفترة مشابهة أيضاً. واليوم يجري تعطيل تشكيل الحكومة، فكيف يمكن الحديث عن سيادة حقيقية للدولة؟ لو كانت سيادة الدولة ناجزة وقائمة لتمّ احترام والتزام النصوص الدستورية في كل تلك الاستحقاقات. ولما تمكّن فريق مهما بلغ من قوة سياسية وجماهيرية من تعطيل البلد في كل مناسبة. أو لغيّر مسار الأمور وجعلها تنعطف في اتجاه مخالف بفعل فائض القوة التي يتمتع بها.

الحقيقة أننا في لبنان نطمح أن يكون لنا استقلال حقيقي يعبّر عن موقف وطني يجعل المصالح الوطنية العليا هي أساس أي موقف. لا أن تكون مصالح الآخرين هي المعيار الذي نقيس عليه، أو أن تكون المصالح الفردية والشخصية والحزبية هي الحاكم لكل شيء.

الحقيقة أننا في لبنان نطمح كي يكون لنا وطن مؤوسساته التي أقرّها الدستور هي الأساس الحاكم، لا أي شيء آخر. ونطمح كي يكون لنا جيش يحمي حدودنا دونما اعتبار لأي أمر آخر، لا أن تكون أرضنا مسرحا لجيوش شرعية وغير شرعية تحت مسمّيات مختلفة.

الحقيقة أننا بحاجة إلى استقلال يحارب الفساد ويقضي عليه، ويضع حدّا للمحسوبية ويلغيها من القاموس، ويرفض المحاصصة لأنها أقذر مرض يمكن أن يصيب المجتمعات، لا إلى مؤسسات هدفها سرقة أموال الناس، وعدم السهر على مصالح البلاد والعباد. ولكن لا يبدو أننا سنسعد بمثل هذا الوطن ولا سنرى استقلالاً ناجزاً طالما أن السيادة منقوصة، وطالما أن الفساد هو المسيطر على أهواء وأجواء أصحاب القرار، وطالما أن الهمّ الأول والأخير لأغلب من يشغل موقعاً في الدولة هو زيادة الثروة حتى لو كانت من جيوب المقهورين والفقراء.