الشيخ نزيه مطرجي

الناس يختلفون في الغايات والمقاصد، وفي المذاهب والمشارب، فمنهم من تتحكم فيه الشهوات البدنيّة، ومنهم من تقوده الرغبات النفسيّة، ومنهم من يحبون العاجلة ويذرون الآخرة، ومنهم من يبتغي فيما آتاه الله الآخرة ولا ينسى نصيبه من الدنيا.
وصادقُ الايمان له وجهة عليّة وهمّة سنيّة، تنطلق من دعوة الاسلام الى فعل الخير ودوام المسابقة إليه، والله تعالى يقول: {ولكّل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات...} البقرة 148، وقد أخبر الله عز وجل أنه أوحى الى أنبيائه دوام فعل الخيرات بقوله: {وأوحينا اليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين} الأنبياء 73.
إن الإسلام ينفث في روح المؤمن روح الفضيلة، وينبت في نفسه غراس العمل الصالح. ولذا يرجى أن يكون فعل الخير عنده ملكة من ملكات نفسه، وهيئة راسخة في طبعه، يتردى بردائها، ويسعى لها سعيها، وأن يغدو مفتاحاً لجزائها التي لا تزال تفيض أبد الدهر ولا تغيض الى آخر العمر، وقد ورد في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:  «إن هذا الخير خزائن، ولهذه الخزائن مفاتيح، فطوبى لعبد جعله الله مفتاحاً للخير، مغلاقاً للشر، وويل لعبد جعله الله مفتاحاً للشر، مغلاقاً للخير « رواه بن ماجة.
والمُسارع الى الخيرات يجد متعته النفسية ولذته الروحية في السبق الى الطيّب من القول بلا إبطاء، ولا تردد، لا يصرفه عن ذلك صارف، ولا تفُتّ في عضده مخاوف، ولكن المتحلي بفضيلة فعل الخير لا يكتمل حسنه، ولا يتم معروفه حتى يكف أذاه عن أهله وصحبه، وسائر العباد.
ان من أمكنه تقديم الخير، لا يعجزه أن يمسك عن رذيلة الشر. 
جاء في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: «على كل مسلم صدقة، فقال رجل: أرأيت ان لم يجد؟ قال: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق. قال: أرأيت ان لم يستطع؟ قال يغيث ذا الملهوف. فقال أرأيت ان لم يستطع؟ قال يأمر بالمعروف، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يُمسك عن الشرّ فانها صدقة» متفق عليه.
انه متعبّد بكف اللسان عن الكذب والبهتان وفحش الكلام، وعن الغيبة والنميمة وسائر الآثام، وكفّ الأذى والجوارح، وعن الاعتداء، وغض السمع والبصر عن القبائح والعورات.
يقول الراشدي عمر بن عبد العزيز: «أدركنا السلف وهم لا يرون العبادة في الصوم ولا في الصلاة، ولكن في الكف عن أعراض الناس!».
 ومن مناكر الأخلاق التي يبغضها الإسلام وينهى عنها الاعتداء على المرافق العامة التي يشترك في الانتفاع بها سائر الناس.
ومن أخاف مؤمناً في الدنيا كان حقاً على الله تعالى أن لا يؤمنه من أهوال يوم القيامة كما روي في السنة (الطبراني)، ومما ينفر منه ذو الفطر السليمة والأخلاق الكريمة ما يلجأ اليه جهلة الرجال الذين شذت طباعهم، واختلّت خلالهم من اتخاذ السلاح الذي أراده الله للجهاد والدفاع وسيلة لارعاب الأصحاب وتهديد الخصوم، وان القيام بهذا الفعل الشنيع يحمل المخاطر ويسبب الكوارث والفواجع، فكم من كارثة وقعت، وكم من فاجعة حلّت كان سببها المزاح في توجيه السلاح، ومخالفة هدي النبي عليه الصلاة والسلام الذي اشتد في النهي عنه فقال: «لا يشير أحدكم الى أخيه بالسلاح فانه لايدري لعل الشيطان ينزغ في يديه فيقع في حفرة من النار» متفق عليه.
وتكرر النهي والتحذير في قوله: «من أشار الى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه» حتى التحذير في قوله: «من أشار الى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي، وان كان أخاه لأبيه وأمه» رواه مسلم.
واذا جاء التحذير والوعيد من إشراع السلاح وتصويب النضال والنبال، فكيف بتصويب آلة القتل المدمرة في هذا الزمان التي تحرق بنارها العمران والبنيان؟
إن الإسلام دين الرحمة والإحسان، يحرّم أعمال الترويع والارهاب حتى مع أسرى الحروب من الأعداء، ويدعو الى حسن معاملتهم والى اطعامهم، واكرامهم، وينهى عن تهذيبهم، وقد مدح القرآن الكريم الذين ينهونهم فقال تعالى: {ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً}.
فيا من أكرمهم الله تعالى بالنعم، وحذرهم من النقم، وابتلاهم بالولاية على الذمم، بالله عليكم. احفظوا الحقوق والأمانات وارعوا العهد والكرامات، ولا تحوّلوا رياضكم الى معاقل تخطف فيها الحريات، ولا تجعلوا واحاتكم كهوفاً تخنق فيها الكرامات، فإن وليَ من أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً فشق عليهم شق الله عليه.