العدد 1340 / 5-12-2018
أواب إبراهيم

ما شهدته قرية الجاهلية قبل أيام أعاد إلى ذاكرة اللبنانيين أحداثاً شهدتها منطقة عبرا بصيدا عام 2013. استذكار أحداث عبرا لم يكن بسبب التشابه مع ما جرى في الجاهلية، بل بسبب الاختلاف الكبير والتناقض بين ما حصل في الجاهلية وما حصل في عبرا.

في الجاهلية تحركت الأجهزة الأمنية لتنفيذ مذكرة إحضار بحق وئام وهاب , الذي استُدعي للمثول أمام القضاء مراراً لكنه لم يستجب. أما في عبرا فقد تحركت الأجهزة الأمنية للقضاء على ظاهرة الشيخ أحمد الأسير دون صدور أي مذكرة قضائية بحقه.

في الجاهلية تمركزت الأجهزة الأمنية على بعد 300 متر من منزل وئام وهاب المطلوب بموجب مذكرة إحضار، أما في عبرا فكانت الأجهزة الأمنية ترابط على مداخل ومخارج مسجد بلال بن رباح الذي يؤمّه أحمد الأسير، يضيّقون على مناصريه، رغم عدم مخالفتهم القانون.

في الجاهلية، بعدما بدأ المسلحون التابعون لوئام وهاب بإطلاق النار , انسحبت القوى الأمنية وغادرت القرية حرصاً على عدم تأزيم الأمور. أما في عبرا، وبعدما بدأ إطلاق النار من جهات مازالت مجهولة .. استقدمت الأجهزة الأمنية تعزيزات وحشدت قواتها وأسلحتها حرصاً على تأزيم الأمور.

في الجاهلية، تدخلت قوى وأحزاب لمساندة وئام وهاب وهددت الأجهزة الأمنية والقضائية بأن المساس به سيؤدي إلى "حمام دم". أما في عبرا، فقد كان تدخل القوى والأحزاب باتجاه حصول "حمام دم" سقط نتيجته عشرات الشهداء من أفراد الجيش اللبناني وأبناء مدينة صيدا.

بالتزامن مع أحداث الجاهلية، استنفرت بعض وسائل الإعلام للتضامن مع وئام وهاب، وحوّلت هواءها منبراً له لتقديم روايته ، وتوجيه اتهاماتها لقادة الأجهزة الأمنية وأعلى سلطة قضائية في لبنان ورئيس الحكومة .. بالقتل وشتمهم وتهديدهم. في حين أن وسائل الإعلام خلال أحداث عبرا تحوّلت إلى أداة قمعية، رفضت تقديم أي رواية تخالف التوجّه بالقضاء على الشيخ أحمد الأسير، أو يبحث في إمكانية التهدئة.

في الجاهلية، اتهم وئام وهاب الأجهزة الأمنية بقتل أحد مرافقيه، وتبنّت هذه الرواية قوى وأحزاب وشخصيات سياسية، رغم أن تقرير الطبيب الشرعي إضافة لبيان قوى الأمن الداخلي أكدوا كذب هذا الادعاء. أما في عبرا، ورغم توفر العديد من القرائن، فإن أحداً لم يتكبد عناء الاستجابة لطلب التأكد من تدخل طرف ثالث في المواجهات المسلحة التي أدت لاندلاع المواجهات.

في الجاهلية كان المساس بوئام وهاب خطاﹰ أحمر، رغم كل ما صدر عنه من كلام استفزازي لاأخلاقي مهدد للسلم الأهلي ومثير للفتنة الطاتئفية.فأمّ منزله وزراء ونواب وسفراء مؤيدون ومساندون ومناصرون. أما في عبرا، فقد كان القضاء على أحمد الأسير , سواء بقتله أو اعتقاله خطاﹰ أخضر، ولم يكن مسموحاً التراجع عن ذلك.

في الجاهلية، وبعدما أطلق مسلحو وهاب النار , انسحبت القوى الأمنية من القرية ولم تحصل أي ملاحقة لمطلقي النار. أما في عبرا، وبعد انتهاء المواجهات المسلحة، نفّذت القوى الأمنية حملة اعتقالات في مدينة صيدا طالت عشرات الشبان المؤيدين للأسير، سواء شاركوا في المواجهات أم لم يشاركوا، وقامت بتعذيبهم في سجونها وصلت حد مقتل أحد الموقوفين تحت التعذيب.

في الجاهلية كان الحرص على الاستقرار والسلم الأهلي أولوية قصوى، ولو أدى ذلك للانتقاص من كرامة الأجهزة الأمنية وكسر هيبة الدولة. أما في عبرا، فكانت الأولوية هي القضاء على ظاهرة أحمد الأسير، وحفظ هيبة الدولة ولو أدى ذلك لزعزعة الاستقرار وتهديد السلم الأهلي وسقوط عشرات الشهداء.

الخلاصة: في الجاهلية، كان لوئام وهاب سند اسمه حزب الله اتكأ عليه وجرّأه على تحدي الدولة وشتم أجهزتها الأمنية والقضائية وانتهاك أعراض الشهداء والرموز. أما في عبرا، فقد تُرك أحمد الأسير وحيداً دون سند، ليواجه منفرداً سطوة من أرادوا القضاء عليه.

أواّب إبراهيم