العدد 1336 / 7-11-2018
أواب إبراهيم

يحتفل اللبنانيون هذه الأيام بذكرى مرور عام على خروج رئيس وزرائهم سعد الحريري بالسلامة من المعتقل السعودي، بعد الإساءة إليه وإهانته وإرغامه على تقديم استقالته. ما سبق لم يعد مجرد خبريات وتسريبات وفبركات إعلامية، بل معلومات نشرتها وكالة رويترز قبل أيام ولم يصدر أي نفي لها لا من طرف السلطات السعودية ولا من جانب الحريري. الوكالة كشفت أن مستشار ولي العهد السعودي سعود القحطاني هو من استقبل الحريري في غرفة، وأمر فريقه بضربه، ووجّه إليه شتائم، قبل أن يجبره على تقديم الاستقالة بالصوت والصورة.

لم تنل هذه الواقعة ما تستحقها من اهتمام، وتم تجاوزها سريعاً، رغم أنها تشكل سابقة تاريخية في العلاقات الدولية. فالمعني الأول بها وهو الرئيس سعد الحريري رفض الحديث عنها، وكلما سئل عما حصل معه لفلف الموضوع، واستاء ممن طرح السؤال، وتابع حياته كأن شيئاً لم يكن.

استمرت أزمة احتجاز الرئيس الحريري عدة أيام، وكما أرغم على تقديم استقالته، أرغم كذلك على إجراء مقابلة تلفزيونية أكد فيها على استقالته وشرح الأسباب التي دفعته لذلك، ونفى أي حديث عن تعرضه لضغوط أو تقييد لحريته. ما حصل بعد ذلك، هو أن دولاً نافذة تدخلت وسعت لإطلاق سراح الحريري من معتقله السعودي، وتراجع الحريري عن استقالته، ويواصل كيل المديح والثناء على "مملكة الخير"، ولم تجر أي مراجعة لما حصل، ولم يتم تحميل أحد مسؤولية ما حصل معه. الأنكى من ذلك، أن السفير السعودي يتبختر في المناطق اللبنانية ويقيم حفلات ولقاءات على فناجين قهوة.

ما حصل مع الحريري تزامن مع حملة اعتقال شنها ولي العهد السعودي على عدد كبير من الأمراء ورجال الأعمال. فتم ابتزازهم لدفع مليارات مقابل إطلاق سراحهم، وإلا يتم اتهامهم بالفساد ومصادرة أموالهم. كما شنّ حملة اعتقال أخرى على علماء وأصحاب فكر ورأي، وزجّهم في السجون، واتهمهم بتهم لا سند قانونياﹰ لها. كل ذلك جرى على مرأى ومسمع من العالم، الذي لم يحرك ساكناً واعتبر ما يجري شأناً سعودياً داخلياً بفضل المليارات التي أغدقتها عليهم "مملكة الخير".

التجاهل وغضّ الطرف عما ارتكبه طويل العمر بحق سعد الحريري والأمراء ورجال الأعمال والعلماء جعله يعتقد أنه مطلق اليدين، وأن بإمكانه قتل من يريد، واعتقال من يريد، وسحق من يريد، وتأديب من يريد، ووصلت به السطوة والشعور بالعظمة اعتقاده بأن اغتيال الصحفي جمال خاشقجي وتقطيعه في قنصلية بلاده باسطنبول سيمر كما مر ما قبله، وهو ما حصل.

يبدع النظام السعودي في ابتكار أساليب غير مسبوقة ومبدعة في التطاول . فاعتقال رئيس الوزراء اللبناني وإرغامه على تقديم استقالته شكل خطوة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين الدول. كما أن قتل وتقطيع مواطن في قنصلية في بلد آخر شكل خطوة غير مسبوقة في تاريخ سحق المعارضين وقمعهم.

ما هو متعارف عليه، هو أن يحرص القادة والرؤساء الى تسجيل إنجازات ونجاحات وانتصارات في سجل فترة حكمهم. لكن طويل العمر، سلك مسلكاً مختلفاً، فهو حريص على التفرد بارتكاب جرائم غير مسبوقة وتسجيلها باسمه في سجل تاريخه وفترة حكمه .

أوّاب إبراهيم