أواب إبراهيم

شهد لبنان في الأيام الماضية حراكاً شعبياً معظمه كان عفوياً، دفعت إليه المعاناة الاقتصادية والاجتماعية التي يرزح تحتها اللبنانيون، إضافة إلى تأخير تشكيل الحكومة.

في كل مرة نشهد حراكاً شعبياً في الشارع، يُطرح التساؤل عن مدى نجاح هذا الحراك في إحداث تغيير في منظومة الفساد القائمة. ويتساءل البعض، لماذا تنجح الثورات الشعبية في بلدان أخرى وتفشل في لبنان، ما هي الوصفة السحرية التي تمنح التحركات الشعبية النجاح لإرغام السلطات على الاستجابة لمطالبها كما حصل مؤخراً في فرنسا مع أصحاب السترات الصفراء.

من استمع إلى مطالب الناس الذين تظاهروا في الأيام الماضية في الشارع يلمس حجم الاستياء والغضب من السلطة القائمة، رغم أن هذه السلطة وصلت نتيجة انتخابات نيابية جرت قبل اشهر فقط. من يستمع للناس يدرك كذلك أن المعاناة عابرة للطوائف، والمأساة جامعة لكل المناطق. بعضهم طالب بتوفير البطاقة الصحية كي لايموتوا على أبواب المستشفيات، بعضهم طالب بتأمين الماء والكهرباء، آخرون اشتكوا من ارتفاع أسعار المحروقات وزحمة السير، أصوات صرخت من التلوث والنفايات والأمراض المسرطنة الناتجة عنها، وأصوات أخرى اشتكت عدم توظيفها بعد نجاحها في امتحان مجلس الخدمة المدنية بذريعة عدم التوازن الطائفي بين الناجحين..

كلها مطالب محقة، وهي حقوق مكتسبة يجب أن تكون بديهية للبنانيين، لكن الطبقة السياسية جعلتها في إطار العطيّة التي يتفضّلون بها، يريدون من اللبنانيين أن يلهثوا وراء لقمة الخبز والعيش الكريم، كي تستمر في التحكم بهم واستخدامهم كيفما شاوؤا. هنا يبرز السؤال، لماذا لاينجح الحراك الشعبي في لبنان بإحداث أي تغيير في الحكم؟!

حتى تنجح الشعوب في تغيير أنظمتها الفاسدة، يجب أولاً أن يكون الغضب والاحتقان والرفض قد عمّ شرائح واسعة من المجتمع. فحتى لو كان المحتجون الغاضبون في الشارع قلّة، يجب أن يستندوا إلى تأييد ومساندة من كثيرين في منازلهم , يجلسون على الأريكة ربما يأرغلون أويحتسون فنجان القهوة , يكتفون بمتابعة ما يجري في الشارع عبر شاشة التلفاز أو من خلال هواتفهم الذكية. وبخلاف مايعتقده كثيرون، فإن ما يُطلق عليهم من باب السخرية اسم "حزب الكنبة"، لهم دور مهم في إنجاح أو إفشال أي تحرك شعبي. فنجاح الشارع يعني تغييراً في الحكم، وبالتالي إجراء عملية ديمقراطية للتغيير. فإذا كان حزب الكنبة غير مؤيد للحراك الشعبي في الشارع ومازال مؤمناً بالطبقة الحاكمة على فسادها ولايريد تغييرهم، فعلى الأرجح ستعيد الثورة إنتاج السلطة نفسها بنفس الأشخاص أو بوجوه جديدة لكنها تحمل الفساد نفسه. ومن الواضح أن حزب الكنبة في لبنان غير مؤيد لأي تغيير أو ثورة رغم ادعائه خلاف ذلك. فالطبقة السياسية الحاكمة تهيمن على حزب الكنبة، نتيجة تشابك مصالح وتنفيعات ولعب على الوتر الطائفي، وبالتالي فإن أي حراك في الشارع لن يجد له أي سند من "حزب الكنبة".

الأمر الآخر الذي يجب توفره لنجاح أي حراك شعبي، هو أن يملك الذين يقودون الحراك رؤية واضحة ومحددة. هذا لايعني أن يكون الحراك الشعبي إطاراً تنظيمياً متماسكاً بكتلة واحدة، فالتلقائية والعفوية والشعبوية ضرورية لنجاح أي حراك شعبي. المطلوب أن يكون الهدف من الحراك واضحاً لجميع المشاركين فيه، والمطالب التي يسعون لتحقيقها واحدة، ويجب أن تكون هذه المطالب عامة ووطنية تشمل أكبر شريحة ممكنة من اللبنانيين كي تلقى التأييد المطلوب. وهذا أيضاً غير متوفر في لبنان، فالحراك الشعبي الذي نشهده هو حراك تلقائي عشوائي، لا رؤية واضحة له، ولا مطالب يجتمع عليها المتظاهرون، كل يريد تحقيق مطلبه الشخصي.

بناء على ما سبق , فإن من المؤسف الاستنتاج بأن أي حراك شعبي في لبنان ليس مكتوباً له النجاح، وسيبقى عبارة عن زوبعة في فنجان لن يكون له أي تأثير فعلي، وهو أمر تدركه السلطة جيداً، لذلك هي لاتعبأ كثيراً به، بل ربما تسعد به لأنه يقدمها بمظهر السلطة الديمقراطية التي تسمح بحرية الرأي والتعبير والتظاهر والاعتراض، ولكن دون أي جدوى.

أواب إبراهيم