العدد 1337 / 14-11-2018
أواب إبراهيم

"أنا بيّ السنّة في لبنان، وأعرف أين مصلحتهم"، قالها الرئيس المكلف سعد الحريري في مؤتمره الصحفي وكانت سبباً ليصفق له جميع من في القاعة. أراد الحريري بهذه العبارة التأكيد على أنه وحده من يختار الوزراء السنّة في الحكومة، وأنه رغم التراجع الكبير الذي أصاب كتلته النيابية مازال الممثل السياسي الوحيد للطائفة السنية في لبنان، ويرفض أي مشاركة بهذا التمثيل.

تاريخياً، لم يكن للطائفة السنّية في لبنان أباً ولا أماً، رغم أنها كانت في بعض المراحل تحظى برعاية وعناية من بعض الأطراف العربية . المسلمون السنّة هم الذين طالما كانوا متشوقين لحضن أب يلجأون إليه يحتمون به ويتنعمون بدفئه. في الستينات وفي ظل المدّ الناصري، هتف سنّة لبنان بحياة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، معتقدين أنه الأب الذي يمكن أن يحميهم، لكن سرعان ما خيب آمالهم. في السبعينات، لم يجد سنّة لبنان خياراً إلا الراحل ياسر عرفات علّه يكون أباً لهم، فانضوى كثير منهم في صفوف منظمة التحرير والأحزاب اللبنانية التي كان يدعمها أبو عمار لمواجهة "المارونية السياسية" التي كانت تسعى لأكل الأخضر واليابس. بعد خروج عرفات من لبنان في بداية الثمانينات، ومع بدء الوصاية السورية تحت مسمى قوات الردع العربية،عملت دمشق على سحق جميع القوى والأحزاب التي كان يدعمها عرفات والتي كان يمكن أن تشكل مظلة للسنّة في لبنان، كالمرابطون في بيروت وحركة التوحيد في طرابلس، كما جرى حصار المخيمات الفلسطينية وتجويع أهلها وإذلالهم، فشعر السنّة باليتم والانكسار.

في بداية التسعينات وبعد اتفاق الطائف، دخل الرئيس الراحل رفيق الحريري الحياة السياسية من أوسع أبوابها، مستنداً إلى علاقات دولية واسعة، ورعاية سعودية مباشرة. حرص الحريري الأب على أن لايكون مستفزاً للنظام السوري، فابتعد عن الطروحات الطائفية، وساير المنظومة السياسية التي فرضها النظام السوري وتماهى معها. بعد وصول بشار الأسد إلى الرئاسة في سوريا ووجود إميل لحود في لبنان، بدأ الخناق يضيق حول رفيق الحريري، ووجد أنه لابد من الافتراق عن الوصاية السورية، فبدأ الحريري يوسع من زعامته الشعبية، واكتسح الانتخابات النيابية عام 2000 رغم كل مساعي التضييق والحصار التي بذلها الأسد من خلال أدواته إميل لحود وجميل السيد وغيرهما. فبات الحريري زعيماً وطنياً وأباً للسنّة في لبنان. هذا الواقع كانت نتيجته اغتيال الحريري عام 2005.

اليوم يطرح الحريري الابن نفسه أباً للسنّة في لبنان. المشكلة تكمن في أنه يطرح ما لايملك، خاصة أن الانتخابات النيابية الأخيرة كشفت أنه لم يعد الممثل الوحيد للسنّة، وان كان مازال الأبرز والأقوى. فقوى أخرى مناوئة له ساهم الحريري من حيث لايدري بأن تشاركه تمثيل السنّة.

إضافة لماسبق، لامصلحة للرئيس سعد الحريري أن يكون أباً للسنة في لبنان. فمن اغتال الرئيس رفيق الحريري لا مانع لديه من اغتيال سعد الحريري وجميع آل الحريري إذا اضطر لذلك. ربما تغيرت الظروف لكن إرادة القتل والإجرام مازالت موجودة. كما أنه لامصلحة للمسلمين السنّة أن يكون سعد الحريري أباً حصرياً لهم. فأداؤه منذ وراثة والده السياسية لم تكن مقنعة. فكيف سيكون حالهم إذا ما غادرهم لأكثر من سنتين –كما سبق وفعل- بداعي المخاطر الأمنية. كيف سيكون حالهم إذا ما تم احتجازه مرة جديدة وأرغم على تقديم استقالته.

السنّة في لبنان ليسوا بحاجة لأب يقرر مصالحهم، فيتنازل عن مكتسباتهم، ويقدم التضحيات من كيسهم وباسمهم. هم يحتاجون لأخ يكون إلى جانبهم، يتعاون معهم، يتشاور معهم، يحرص عليهم كما يحرصون عليه.

أوّاب إبراهيم