العدد 1346 / 23-1-2019
أواب إبراهيم

كل التحليلات كانت تشير إلى أن القمة العربية الاقتصادية المنعقدة في بيروت ستكون فاشلة، بعدما اعتذر معظم القادة العرب عن حضورها، واقتصر تمثيل الصف الأول فيها على رئيسي جمهوريتي الصومال وموريتانيا. لكن إعلان قطر عشيّة انعقاد القمة عن مشاركة أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني شكل مفاجأة أذهلت الصديق والعدو، وكان بمثابة تنفس اصطناعي كانت القمة بأمسّ الحاجة إليه كي تبقى على قيد الحياة, فكان أمير قطر نجم القمة رغم أن حضوره لم يتعدّ سوى ساعات. وقدأطلقالنائب اللواء جميل السيد تغريدة معبرة عن الأمر،فكتب: "فعلها أمير قطر وخطف الأضواء وقرر أن يكون نجم القمة بعدما أشارت التحليلات إلى أن عدم مشاركة القادة العرب جاء بإشارة أميركية.. فإما أن قطر هي حرّة في قرارها أكثر من غيرها تجاه الأميركي.. أو فتشوا عن غير الأميركي".

هي ليست المرة الأولى التي تكشف فيها قطر عن أداء متميّز ومتفرد في العمل السياسي. وقد شكل الحصار المفروض عليها منذ أكثر من عام ونصف، وإعلان الحرب عليها من عدد من الدول المحيطة بها فرصة كي يبرز هذا التميز بشكل أوضح، بعيداً عن أي حسابات تتعلق بالعمل العربي المشترك أو منظومة مجلس التعاون الخليجي التي كانت تحرص عليها الدوحة، وكان يضطرها في بعض الأحيان لمسايرة توجهات أشقائها لاسيما المملكة العربية السعودية رغم عدم اقتناعها بها.

لم تبادل قطر العداء لأي من الدول التي قاطعتها، وهي مازالت حتى هذه اللحظة رغم كل الإساءات التي نالتها وتجاوزت كل الخطوط الحمر الأخلاقية، تدعو للجلوس الى طاولة الحوار لحل الأزمة، ومازالت تواصل العلاقة بمجلس التعاون الخليجي رغم أنه بات أداة بيد محمد بن سلمان ومن ورائه محمد بن زايد، وهي تواصل علاقات الود والتعاون مع الدول المصنّفة بالحليفة للدول المقاطعة، فلم تنكفئ، وواجهت مساعي العزلة التي حاولت فرضها عليها دول الحصار بمزيد من النشاط والمبادرة والتواصل. حتى الدول الصغيرة والفقيرة التي رضحت لضغوط دول الحصار وقاطعت قطر كي يزداد عدد الدول المقاطعة لها، لم تبادلها قطر العداء، ورحبت بعودتها واستعادة العلاقة معها.كما أن المبادرات الإنسانية التي دأبت عليها قطر متواصلة بعد الحصار بوتيرة أكبر، فلا تكاد تقع كارثة إنسانية في أي بقعة من العالم إلا وتبادر الدوحة لتقديم مساعدات إغاثية عاجلة، خاصة تجاه الدول الفقيرة التي تتعرض للظواهر الطبيعية المدمرة كالزلازل والبراكين كأندونيسيا وتايلند..ولم تكد تنتهيالعاصفة الثلجية التي ضربت النازحين السوريين في مخيمات لبنان وسوريا والأردن، حتى أعلنت قطر تقديم إغاثة عاجلة بقيمة خمسين مليون دولار لإغاثة النازحين المتضررين من العاصفة، كما تم تنظيم حملة جمع تبرعات خيرية شعبية وإعلامية لإغاثة النازحين السوريين.بالتزامن مع ذلك كانت بعض الأقطار العربية تسعى لإعادة وصل ما انقطع مع النظام السوري. ورغم أن أحد الاتهامات الموجهة لقطر أنها حليفة لإيران التي تعد حليفاً استراتيجياً للنظام السوري، لكن موقفها من الأزمة السورية مازال على حاله من المقاطعة.أما مواقف قطر تجاه الشعب الفلسطيني فباتت مشهودة للعالم، وبات همّ السلطة الفلسطينية هو كيفية اعتراض طريق المنح المالية القطرية لفك الحصار على غزة والتضييق على أهلها.

هناك سرّ في هذه الدولةصغيرة المساحة والسكان. سرّ لايصنعه الفائض المالي الذي أنعم الله به على قطر وأهلها. فدول أخرى قريبة من قطر، أنعم الله عليها بما أنعم على قطر، لكن أداءها كان خبط عشواء، سياسة متقلبة، وتناقض في المواقف، وشخصانية في العلاقة مع الآخرين، ومراهقة سياسية تورّط البلاد. فالعقل الهادئ والسياسة الواضحة والخطوات المدروسة والأداء الذي يلائم بين المبادئ والمصالح، لاتشتريه ملايين الدولارات، ولا تؤثر فيه حقول النفط والغاز.

أوّاب إبراهيم