العدد 1343 / 2-1-2019
أواب إبراهيم

بعد أشهر قليلة يتمّ الفريق عمر حسن البشير ثلاثين عاماً على رأس الحكم في السودان. ثلاثة عقود مرت على انقلاب عسكري كان البشير واجهته باعتباره ضابطاً في الجيش السوداني، قبل أن ينقلب على المخطط والمنفّذ والعقل المدبر للانقلاب المرحوم الدكتور حسن الترابي.

بعد ثلاثين عاماً، أثبت البشير أنه لايختلف كثيراً عن زعماء عرب آخرين , أطاحت بهم ثورات الربيع العربي ومنهم من ينتظر. فبعيداً عن المشروع الإسلامي الذي حمل البشير لواءه بعد وصوله إلى رأس السلطة، قائداً لانقلاب العسكري، ومن ثم رئيساً للجمهورية وللوزراء، سار البشير على خطى أقرانه من حكام العرب، ومن يستمع لخطاباته هذه الأيام، يلمس حجم التشابه مع خطابات حسني مبارك وزين العابدين بن علي قبل الإطاحة بهما.

نحن هنا لانتحدث عن تهم جرائم الحرب الموجّهة للبشير من محكمة الجنايات الدولية بسبب مجازر ارتكبها جيشه في إقليم دارفور، ومذكرة التوقيف الدولية الصادرة عن الانتربول بحقه. ولا نتحدث كذلك عن تحويل البشير للجيش السوداني إلى قوات لاعادة تشارك في خطوط المواجهة المتقدمة في اليمن بالنيابة عن السعودية والإمارات، يقبض ثمن هذه المشاركة ملاييناً ومنحاً وودائع بنكية وغضّ نظر عن استمراره في الحكم. ولا نتحدث أيضاً عن استخدام بعض العرب للبشير كمرسال لتوجيه رسائل إيجابية للنظام السوري، وليكون أول من يكسر عزلة رئيس النظام السوري بشار الأسد , رغم المجازر التي ارتكبها طوال سبع سنوات مضت بحق شعبه.

كل ما سبق سنتجاوز عنه ونغضّ الطرف عنه، ما نتحدث عنه هو أن رجلاً وصل إلى السلطة قبل ثلاثين عاماً، ومازال حتى يومنا لم يملّ منها ومازال متشبثاً بها يرفض التنازل عنها، ولو أدى ذلك لإراقة دماء السودانيين.

لا مجال ولا مكان ولا منطق لتبرير استمرار البشير في منصبه، ولا يفيد في ذلك الادعاء بأنه بعد عشرين سنة من انقلابه العسكري تم اختياره في انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية. فالذريعة نفسها استخدمها معظم طغاة العرب لتبرير بقائهم على الكرسي، آخرهم عبد الفتاح السيسي بمصر وبشار الأسد في سوريا. ولا يفيد أيضاً الاستناد إلى صفات التواضع والبساطة التي يبديها البشير في أدائه وحركته, فلا تواضع ولا بساطة في من يتشبثبالسلطة بعد ثلاثين عاماً من وصوله إليها. ولا يفيد أيضاً الشعارات الإسلامية التي يرددها البشير في خطاباته ويلوّح بها إلى جانب عصاه، يحاول من خلالها دغدغة عواطف السودانيين الطيبين. فالمشروع الإسلامي يقوم على التعددية وتداول السلطة وليس على احتكارها. ولا يفيد أن البشير عقيم لاينجب الأولاد وبالتالي لن يورّث الحكم، فمن يجثم في السلطة ثلاثة عقود لايسأل عن توريث.

كل هذا لايفيد، المفيد هو أن يدرك البشير أن السودانيين اختنقوا من وجوده على صدورهم طيلة ثلاثين عاماً، وأنه تأخر كثيراً في مغادرة الحكم، وأنه لا مكان لمكابرته والهروب إلى الأمام باتهام قوى سياسية معارضة وجهاز الموساد الإسرائيلي باستغلال الحراك الشعبي الذي يشهده السودان هذه الأيام. ما يفيد هو أن يشعر المواطن السوداني بعدالة إجتماعية واحتفاظه بكرامته ولقمة عيشه. ما يفيد هو أن يدرك البشير أنه تأخر كثيراً في الانتقال من القصر الرئاسي إلى منزله متقاعداً، وأن يفسح المجال أمام الشعب السوداني كي يختار من يريده، بعيداً عنه.

أوّاب إبراهيم