العدد 1348 / 9-2-2019
بسام غنوم

واخيراﹰ وبعد ما يقارب التسعة أشهر من الأخذ والرد والمماحكات السياسية بين القوى الرئيسية الفاعلة في البلد , ولدت حكومة "هيا الى العمل" برئاسة الرئيس سعد الحريري الذي وضع لها برنامجاﹰ عنوانه "محاربة الفساد وتخفيض نفقات القطاع العام وترشيق الادارة" .

الا أن هذه المواقف التي رافقت التوافق والاتفاق على الحكومة الجديدة لم يكتب لها أن تستمر طويلاﹰ ، فالخلافات عادت الى الظهور بين الحلفاء ولا سيما بين الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ولم يقتصر الامر على جنبلاط ، فرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع علق على الأجواء التي رافقت تشكيل الحكومة بالقول أنه "لم يكن بالامكان أكثر مما كان" , وأضاف "ولا ننا لا نشبه هذه الطبقة السياسية ندفع ثمن مواقفنا مشاريع عداوة مع بعض القوى السياسية التي تمضي في المقاربات الخاطئة ازاء الملفات الحساسة ، من السياسة الى الاقتصاد وسائر القضايا .." ، وهو يعني بذلك التيار الوطني الحرّ بصورة مباشرة ، ويغمز من قناة الرئيس الحريري بصورة غير مباشرة .

وتكشف هذه الاجواء السياسية التي رافقت الاعلان عن الحكومة الجديدة أن الأمور لن تكون سهلة سواء داخل الحكومة أو خارجها ، وان اعلان الرئيس الحريري ان من "يقف ويعطل الانتاج فعليه ان يزيح من الطريق ، واذا لم يفعل فأنا مستمر ولو استضمت باي كان" ، هو في غير محله لأن البلد والناس وخاصة على المستويين الاقتصادي والمالي لايستطيعون تحمل كلفة مواجهة مفتوحة مع قوى سياسية فاعلة مثل الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل الحكومة الجديدة التي اسماها الرئيس سعد الحريري حكومة "هيا الى العمل" قادرة على التصدي للمشكلات السياسية والاقتصادية التي يرزح تحتها لبنان ؟

في البداية لا بدّ من التوقف حول الوضع السياسي في البلد الذي يبدو منقسماﹰ على نفسه بين فريق "المقاومة والممانعة" ، وفريق آخر يريد الابتعاد عن المحور السوري – الايراني ، والاقتراب من دول الخليج العربي واميركا والاتحاد الأوروبي .

قد تبدو هذه النقطة للبعض غير اساسية , لأن الحكومة تمثل كل القوى السياسية اللبنانية ، لكن الاجواء والممارسات التي سبقت تشكيل الحكومة تؤكد ان هوية لبنان السياسية هي أحد الأهداف الرئيسية التي تسعى قوى 8 آذار لفرضها عبر الحكومة ، وما جرى قبل وبعد القمة الاقتصادية العربية التي عقدت في بيروت ، ودعوة وزير الخارجية جبران باسيل المتكررة في كل المؤتمرات و المحافل العربية والأوروبية لعودة النظام السوري الى الجامعة العربية ، ودفاعه عن النظام السوري وعلاقة لبنان مع هذا النظام من باب عودة النازحين السوريين ، وتعيين الوزير صالح الغريب وزيراﹰ للدولة لشؤون النازحين ، وهو من المؤيدين للنظام السوري الا ابلغ دليل على حجم التحدي السياسي الذي ستواجهه الحكومة في الفترة المقبلة .

النقطة الثانية هي الوضع المالي والاقتصادي الذي يعاني منه لبنان سواء على صعيد مالية الدولة او لناحية تراجع النمو الاقتصادي الذي اصبح يشكل خطراﹰ على القطاع الخاص الذي يشغل ثلاثة ارباع اللبنانيين .

الحكومة الجديدة تتمسك بمؤتمر سيدر 1 من أجل القيام بعملية انقاذ مالي للدولة اولاﹰ ، وانعاش الاقتصادي اللبناني ثانياﹰ ، ومن المعروف أـن مؤتمر سيدر 1 يؤكد في كل بنوده على الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص , ولذلك اكد الحريري ان برنامج عمل الحكومة قائم على "محاربة الفساد وتخفيض نفقات القطاع العام وترشيق الادارة" ، واول تحدي امام الحكومة هو قطاع الكهرباء الذي يستهلك جزءاﹰ كبيراﹰ من ميزانية الدولة منذ سنوات طويلة .

فهل تستطيع الحكومة ان متحاربه الفساد وحل ملف الكهرباء في ظل حالة التجاذب والتصارع على الحقائب الوزارية التي استمرت حتى اللحظات الأخيرة من ولادة الحكومة الجديدة ؟

باختصار ، حكومة "هيا الى العمل" ، امام تحديات كبيرة سواء على المستوى السياسي او على الصعيد الاقتصادي ، واذا غاب التضامن الوزاري بين اعضاء الحكومة فان الأمور ستكون اصعب بكثير في الايام القادمة .

بسام غنوم